الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5644 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، في الرجل يبتاع المبيع ، فيبيعه قبل أن يقبضه ، قال : أكرهه .

                                                        فهذا جابر - رضي الله عنه - قد سوى بين الأشياء المبيعة في ذلك ، وقد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصده بالنهي عن البيع فيه حتى يقبض إلى الطعام بعينه ، فدل ذلك النهي على ما قد تقدم وصفنا له .

                                                        فإن قال قائل : فكيف قصد بالنهي في ذلك إلى الطعام بعينه ، ولم يعم الأشياء ؟

                                                        [ ص: 40 ] قيل له : قد وجدنا مثل هذا في القرآن ، قال الله - عز وجل - : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فأوجب عليه الجزاء المذكور في الآية .

                                                        ولم يختلف أهل العلم في قاتل الصيد خطأ ، أن عليه مثل ذلك ، وأن ذكره العمد لا ينفي الخطأ .

                                                        فكذلك ذكره الطعام في النهي عن بيعه قبل القبض ، لا ينفي غير الطعام .

                                                        وقد رأينا الطعام يجوز السلم فيه ، ولا يجوز السلم في العروض ، وكان الطعام أوسع أمرا في البيوع من غير الطعام ؛ لأن الطعام يجوز السلم فيه ، وإن لم يكن عند المسلم إليه ، ولا يكون ذلك في غيره .

                                                        فلما كان الطعام أوسع أمرا في البيوع وأكثر جوازا ، ورأيناه قد نهى عن بيعه حتى يقبض ، كان ذلك فيما لا يجوز السلم فيه أحرى أن لا يجوز بيعه حتى يقبض .

                                                        فقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنهي إلى الذي إذا نهي عنه ، دل نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنه على نهيه عن غيره ، وأغناه ذكره له عن ذكره لغيره ، فقام ذلك مقام النهي ، لو عم به الأشياء كلها .

                                                        ولو قصد بالنهي إلى غير الطعام ، أشكل حكم الطعام في ذلك على السامع ، فلم يدر ، هل هو كذلك أم لا ؟ لأنه يجد الطعام يجوز السلم فيه ، وليس هو بقائم حينئذ ، وليس يجوز ذلك في العروض ، فيقول كما خالف الطعام العروض في جواز السلم فيه ، وليس عند المسلم إليه ، وليس ذلك في العروض ، فكذلك يحتمل أن يكون مخالفا له في جواز بيعه قبل أن يقبض ، وإن كان ذلك غير جائز في العروض .

                                                        فهذا هو المعنى الذي له قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام خاصة .

                                                        وفي ذلك حجة أخرى ، وذلك أن المعنى الذي حرم به على مشتري الطعام بيعه قبل قبضه ، هو أن لا يطيب له ربح ما في ضمان غيره ، فإذا قبضه ، صار في ضمانه ، فطاب له ربحه فجاز أن يبيعه حيث أحب .

                                                        والعروض المبيعة ، هذا المعنى بعينه موجود فيها ، وذلك أن الربح فيها قبل قبضها ، غير حلال لمبتاعها ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قد نهى عن ربح ما لم يضمن .

                                                        فكما كان ذلك قد دخل فيه الطعام وغير الطعام ، ولم يكن الربح يطيب لأحد إلا بتقدم ضمانه ، لما كان عنه ذلك الربح .

                                                        فكذلك الأشياء المبيعة كلها ، ما كان منها يطيب الربح فيه لبائعه ، فحلال له بيعه ، وما كان منها يحرم الربح فيه على بائعه ، فحرام عليه بيعه .

                                                        وقد جاءت أيضا آثار أخر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن بيع ما لم يقبض ، لم يقصد فيها إلى الطعام ولا إلى غيره .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية