الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فلو أن رجلا قال لامرأته وهي ترى أنها حبلى ما هذا الحمل مني قيل له أردت أنها زنت ؟ فإن قال لا وليست بزانية ولكني لم أصبها قيل له فقد يحتمل أن يخطئ هذا الحبل فتكون صادقا وتكون غير زانية فلا حد ولا لعان حتى تضع فإذا استيقنا أنه حبل قلنا ما أردت ؟ فإن قال كما قال أول مرة قلنا قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحبل منك فتكون أنت صادقا في الظاهر بأنك لم تصبها وهي [ ص: 140 ] صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت ونفيت الولد أو حددت ولا يلاعن بحمل لا قذف معه لأنه قد يكون حملا وقد ذهب بعض من نظر في العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلاعن بالحمل وإنما لاعن بالقذف ونفى الولد إذا كان من الحمل الذي به القذف ولما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد عن العجلاني بعدما وضعته أمه وبعد تفريقه بين المتلاعنين استدللنا هذا الحكم وحكم أن الولد للفراش على أن الولد لا ينفى إلا بلعان وعلى أنه كان للزوج نفيه وامرأته عنده وإذا لاعنها كان له نفي ولدها إن جاءت به بعد ما يطلقها ثلاثا لأنه بسبب النكاح المتقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاه يوم نفاه وليست له بزوجة ولكنه من زوجة كانت وبإنكار متقدم له ( قال ) وسواء قال رأيت فلانا يزني بها أو لم يسمه فإذا قذفها بالزنا وادعى الرؤية للزنا أو لم يدعها أو قبل استبرائها قبل أن تحمل حتى علمت أن الحمل ليس مني أو لم يقله يلاعنها في هذه الحالات كلها وينفي عنه الولد إذا أنكره فيها كلها إلا في خصلة واحدة ، وهي في أن يذكر أنها زنت في وقت من الأوقات لم يرها تزني قبله ببلد لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت فيعلم أنه ابنه وأنه لم يدع زنا يمكن أن يكون هذا الحبل منه إنما ينفى عنه إذا ادعى ما يمكن أن يكون من غيره بوجه من الوجوه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء : الرجل يقذف امرأته وهو يقر بأنه قد أصابها في الطهر الذي رأى عليها فيه ما رأى أو قبل أن يرى عليها ما رأى أي قال يلاعنها والولد لها . ( قال ابن جريج ) قلت لعطاء أرأيت إن نفاه بعد أن تضعه ؟ قال يلاعنها والولد لها

( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا كله نقول وهو معنى الكتاب والسنة إلا أن يقر بحملها فلا يكون له نفيه بعد الإقرار به أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدى إليه قال يلاعنها والولد لها ( قال ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن تهدى إليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج في الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها قال يلاعنها وبهذا كله نأخذ وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم إلى أنه ينفي الولد إذا قال قد استبرأتها فكأنه إنما ذهب إلى نفي الولد عن العجلاني إذ قال لم أقربها منذ كذا وكذا ولسنا نقول بهذا نحن ننفي الولد عنه بكل حال إذا أنكره فيما يمكن أن يكون من غيره فإن قال قائل آخذ بالحديث على ما جاء قيل له فالحديث على أن العجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصب هو امرأته منذ أشهر صلى الله عليه وسلم وذكر صلى الله عليه وسلم العلامة التي تثبت صدق الزوج في الولد أفرأيت إن قذف الرجل امرأته ولم يسم من أصابها ولم يدع رؤيته ؟ فإن قال يلاعنها قيل له أفرأيت إن أنكر الحمل ولم ير الحاكم فيه علامة بصدق الزوج أينفيه ؟ فإن قال نعم قيل فقد لاعنت قبل ادعاء رؤيته وإنما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء رؤية الزوج ونفيت بغير دلالة على صدق الزوج وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم صدق الزوج في شبه الولد .

فإن قال : فما حجتنا وحجتك في هذا ؟ قلت مثل حجتنا إذا فارق الرجل امرأته قلنا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سنة المتلاعنين الفرقة ولم يقل حين فرق إنها ثلاث . فإن قال وما الدليل على ما وصفت من أن ينفى الولد وإن لم يدع الزوج الاستبراء ، ويلاعن وإن لم يدع الزوج الرؤية ؟ قيل مثل الدليل على كيف لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحك عنه فعلمنا أنه لم يعد ما أمره الله به .

فإن قال قائل : فأوجدنا ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات { ثم لم يأتوا [ ص: 141 ] بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فكانت الآية عامة على رامي المحصنة فكان سواء قال الرامي لها رأيتها تزني أو رماها ولم يقل رأيتها تزني فإنه يلزمه اسم الرامي قال الله تبارك وتعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى { فشهادة أحدهم } الآية فكان الزوج راميا قال رأيت أو علمت بغير رؤية فلما قبل منه ما لم يقل فيه ممن القذف رأيت يلاعن به بأنه داخل في جملة القذفة غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله إن هذا الحمل ليس مني وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لاختلاف بين ذلك .

( قال ) وقد يكون استبرأها وقد علقت من الوطء قبل الاستبراء ألا ترى أنه لو قال وقالت قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها تسع حيض ثم جاءت بعد بولد لزمه وإن الولد يلزمه بالفراش وأن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائما فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان وحمل قد تقدمه فأمكن أن يكون قد أصابها والحمل من غيره وأمكن أن يكون كاذبا في جميع دعواه للزنا ونفي الولد وقد أخرجه الله من الحد باللعان ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله ولما كنا إذا أكذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد استدللنا على أن نفي الولد بقوله ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يلحقه نفسه لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء والاستبراء غير قوله فلما قال الله - تبارك وتعالى - بعد ما وصف من لعان الزوج { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } الآية استدللنا على أن الله عز وجل أوجب عليها العذاب والعذاب الحد لا تحتمل الآية معنى غيره والله أعلم . فقلنا له حاله قبل التعانه مثل حاله بعد التعانه لأنه كان محدودا بقذفه إن لم يخرج منه باللعان فكذلك أنت محدودة بقذفه والتعانه بحكم الله أنك تدرئين الحد به فإن لم تلتعني حددت حدك كان حدك رجما أو جلدا لا اختلاف في ذلك بينك وبينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية