الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : النوع الثاني : الجروح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد ، والساعد ، والفخذ ، والساق ، والقدم ولا يجب في غير ذلك من الشجاج ، والجروح كما دون الموضحة ، أو أعظم منها إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة ، والمنقلة ، والمأمومة فله أن يقتص موضحة ولا شيء له على قول أبي بكر ، وقال ابن حامد : له ما بين دية موضحة ودية تلك الشجة ، فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل ، وفي المنقلة عشرا ويعتبر قدر الجرح بالمساحة ، فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه ، مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة - كان له أن يوضحه في جميع رأسه . وفي الأرش للزائد وجهان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( النوع الثاني : الجروح ) للآية ، والخبر ( فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة ) لأنه يمكن استيفاؤه من غير حيف ، ولا زيادة ; لانتهائه إلى عظم ، أشبه قطع الكف من الكوع ، ولا نعلم فيه خلافا ، ولأن الله نص على القصاص ، فلو لم يجب في كل جرح ينتهي إلى عظم لسقط حكم الآية ( وجرح العضد ، والساعد ، والفخذ ، والساق ، والقدم ) في قول أكثر العلماء ، وكالموضحة ، ولا يستوفي في ذلك إلا من له علم وخبرة كالجرائحي ، ونحوه ، فإن لم يكن للولي علم بذلك أمره بالاستنابة ، وإن كان له علم به فظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه ; لأنه أحد نوعي القصاص كالنفس ( ولا يجب في غير ذلك من الشجاج ، والجروح كما دون الموضحة ، أو أعظم منها ) لأنها جراحة لا تنتهي إلى عظم ، ولا تؤمن فيها الزيادة ، أشبه الجائفة وكسر العظام ( إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة ، والمنقلة ، والمأمومة ) لأنه ليس له حد ينتهي إليه ، ولا يمكن الاستيفاء من [ ص: 321 ] غير حيف ، وذلك شرط في وجوب القصاص ( فله أن يقتص موضحة ) بغير خلاف بين أصحابنا ; لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته ، فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني ; لأن سكين الجاني وصلت العظم ، ثم تجاوزته ، بخلاف قاطع الساعد ، فإنه لم يضع سكينه في الكوع ( ولا شيء له على قول أبي بكر ) لأنه جرح واحد لم يجمع فيه بين قصاص وأرش كالشلاء بالصحيحة ( وقال ابن حامد ) وقدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ( له ما بين دية موضحة ودية تلك الشجة ) لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش كما لو تعذر في جميعها ، وفارق الشلاء بالصحيحة ، فإن الزيادة ثم من حيث المعنى ، وليست متميزة ، بخلاف مسألتنا ( فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل ، وفي المنقلة عشرا ) لأن التفاوت في الأولى خمس ، وفي الثانية عشر ، وفي المأمومة ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير ; لأن الواجب فيها ثلث الدية ، فإذا ذهب منها دية موضحة بقي ذلك ( ويعتبر قدر الجرح بالمساحة ) دون كثافة اللحم ليعلم حتى يقتص من الجاني مثله ( فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه ، مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة - كان له أن يوضحه في جميع رأسه ) وحاصله أنه يجب في الموضحة قدرها طولا وعرضا ; لأن القصاص المماثلة ، ولا يراعى العمق ; لأن حده العظم ، ولو روعي لتعذر الاستيفاء ; لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته ، فإذا كانت في الرأس حلق موضعها من رأس الجاني وعلم القدر المستحق بسواد ، أو غيره ، ثم اقتص ، فإن كانت في مقدم الرأس ، أو مؤخره ، أو وسطه فأمكن أن يستوفي قدرها من موضعها لم يجز من غيره ، وإن زاد قدرها على موضعها [ ص: 322 ] من رأس الجاني استوفى بقدرها ، وإن جاوز الموضع الذي شجه في مثله ; لأن الجميع رأس ، وإن زاد قدرها على رأس الجاني كله لم يجز أن ينزله إلى الوجه ، والقفا ; لأنه قصاص في غير العضو المجروح فيقتص من رأس الجاني كله ( وفي الأرش للزائد وجهان : ) أحدهما : لا أرش له فيما بقي ، وقاله أبو بكر ، وهو الأشهر لئلا يجمع في عضو واحد قصاص ودية ، والثاني : وهو قول ابن حامد ، له أرش موضحة ما بقي ، وهو تفاوت ما بين جنايته والموضحة كما سبق ، وإن كانت بقدر ثلثها فله أرش ثلث موضحة ، وإن زادت على هذا ، أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة ، ولا يجب له أرش موضحة كاملة .

                                                                                                                          تنبيه : إذا أوضح كل الرأس ، ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه قدر شجته من أي جانب شاء ; لأن الجميع محل الجناية وله أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره إلا أن يكون في ذلك زيادة ضرر ، أو شين فيمتنع لذلك ; لأنه لم يجاوز موضع الجناية ، ولا قدرها ، وقيل : بالمنع ; لأنه يأخذ موضحتين بموضحة ، قدمه في " الشرح " ، وإن أوضحه موضحتين ، قدرهما جميع رأس الجاني فللمجني عليه الخيار بين أن يوضحه في جميع رأسه موضحة واحدة وبين أن يوضحه موضحتين يقتصر فيهما عن قدر الواجب ، ولا أرش له في الباقي وجها واحدا ; لأنه ترك الاستيفاء مع إمكانه ، ويقبل قول المقتص مع يمينه في أنه أخطأ في الزيادة ، فإن قال : هذه الزيادة حصلت باضطرابه ، فأنكره الجاني فوجهان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية