الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في نفسه لما روي أن أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه قام ليصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : { تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن } ، والذين نقلوا صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ذكروا تعوذه بعد الافتتاح قبل القراءة ولأن من أراد قراءة القرآن ينبغي له أن يتعوذ لقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وأصحاب الظواهر أخذوا بظاهر الآية وقالوا نتعوذ بعد القراءة ; لأن الفاء للتعقيب ولكن هذا ليس بصحيح ; لأن هذه الفاء عندنا للحال كما يقال إذا دخلت على السلطان فتأهب أي إذا أردت الدخول عليه فتأهب فكذا معنى الآية إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ ، بيانه في حديث الإفك : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كشف الرداء عن وجهه فقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم } : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } الآيات ، وبظاهر الآية قال عطاء الاستعاذة تجب عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وهو مخالف لإجماع السلف فقد كانوا مجمعين على أنه سنة وبين القراء اختلاف في صفة التعوذ فاختيار أبي عمرو وعاصم وابن كثير رحمهم الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم زاد حفص من طريق هبيرة أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان ، واختيار نافع وابن عامر والكسائي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ، واختيار حمزة الزيات أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم . وهو قول محمد بن سيرين وبكل ذلك ورد الأثر .

وإنما يتعوذ المصلي في نفسه إماما كان أو منفردا ; لأن الجهر بالتعوذ لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان يجهر به لنقل نقلا مستفيضا والذي روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه جهر بالتعوذ تأويله أنه كان وقع اتفاقا لا قصدا أو قصد تعليم السامعين أن المصلي ينبغي أن يتعوذ كما نقل عنه الجهر بثناء الافتتاح ، فأما المقتدي ، فلا يتعوذ عند محمد رحمه الله ; لأنه لا يقرأ خلف الإمام ، فلا يتعوذ حتى أن المسبوق إذا قام لقضاء ما سبق به حينئذ يتعوذ في إحدى الروايتين عن محمد ، وعن أبي يوسف يتعوذ المقتدي ، فإن التعوذ عنده بمنزلة الثناء لما يأتي بيانه في باب العيدين ، والتعوذ عند افتتاح الصلاة خاصة إلا على قول ابن سيرين رحمه الله ، فإنه يقول يتعوذ في كل ركعة كما يقرأ وهذا فاسد [ ص: 14 ] فإن الصلاة واحدة فكما لا يؤتي لها إلا بتحريمة واحدة فكذا التعوذ والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية