الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما سؤر الحمار فطاهر عند الشافعي رحمه الله تعالى ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما فإنه كان يقول الحمار يعلف القت ، والتبن فسؤره طاهر ، وعندنا مشكوك فيه غير متيقن بطهارته ، ولا بنجاسته فإن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول إنه رجس فيتعارض قوله ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما ، وكذلك الأخبار تعارضت في أكل لحمه فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر } ، وروي أن أبجر بن غالب رضي الله عنه قال لم يبق لي من مالي إلا حميرات فقال عليه الصلاة والسلام { كل من سمين مالك } ، وكذلك اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته ، واعتباره بلبنه يدل على نجاسته ، ولأن الأصل الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهرة موجود في الحمار ; لأنه يخالط الناس لكنه دون ما في الهرة فإنه لا يدخل المضايق فلوجود أصل البلوى لا نقول بنجاسته ، ولكون البلوى فيه متقاعدا لا نقول بطهارته فيبقى مشكوكا فيه ، وأدلة الشرع أمارات لا يجوز أن تتعارض ، والحكم فيها الوقف ، وكان أبو طاهر الدباس رحمه الله [ ص: 50 ] ينكر هذا ، ويقول لا يجوز أن يكون شيء من حكم الشرع مشكوكا فيه ، ولكن يحتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به حالة الاختيار ، وإذا لم يجد غيره يجمع بينه ، وبين التيمم احتياطا فبأيهما بدأ أجزأه إلا على قول زفر فإنه يقول يبدأ بالوضوء فلا يعتبر تيممه مادام معه ماء هو مأمور بالتوضؤ به ، ولكن نقول الاحتياط في الجمع بينهما لا في الترتيب فإن كان طاهرا فقد توضأ به قدم ، أو أخر ، وإن كان نجسا ففرضه التيمم ، وقد أتى به ، ولا يقال في هذا ترك الاحتياط من وجه ; لأنه إن كان نجسا تتنجس به أعضاؤه ، وهذا ; لأن معنى الشك في طهارته لا في كونه طاهرا ; لأن الحدث يقين فأما العضو ، والثوب فطاهر بيقين فلا يتنجس بالشك ، والحدث موجود بيقين فالشك وقع في طهارته ، واليقين لا يزال بالشك ، وهو الصحيح من المذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية