الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          402 402 - ( مالك ، عن نافع ) كذا ليحيى والقعنبي وابن وهب وإسحاق الطباع ، وقال جل الرواة عن عبد الله بن دينار .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : الحديث صحيح عنهما ( عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء ) بضم القاف ، وموحدة ممدود عند أكثر اللغويين ، قال الشاعر :


                                                                                                          ألا ليت شعري هل تغير بعدنا قباء وهل زال العقيق وحاضره .



                                                                                                          وأنكر بعضهم قصره لكن حكاه صاحب العين ، قال البكري : من العرب من يذكره فيصرفه ، ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه ، وفي المطالع على ثلاثة أميال من المدينة ، وقال ياقوت : على ميلين على يسار قاصد مكة ، وهو من عوالي المدينة سمي باسم بئر هناك ، قال أبو عمر : اختلف في سبب إتيانه فقيل : لزيارة الأنصار ، وقيل : للتفرج في حيطانها ، وقيل : للصلاة في مسجدها وهو الأشبه ، وفي مسلم من رواية ابن عيينة والبخاري من رواية عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قباء كل سبت " ، ( راكبا ) تارة ( وماشيا ) أخرى بحسب ما تيسر ، والواو بمعنى أو ، زاد مسلم من رواية عبيد الله ، عن نافع : ( فيصلي فيه ركعتين ، وزاد الشيخان في الطريق المذكورة ، وكان عبد الله بن عمر يفعله وخص السبت لأجل مواصلته لأهل قباء وتفقده لحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه - صلى الله عليه وسلم - في مسجده بالمدينة ، قال أبو عمر : لا يعارضه [ ص: 578 ] حديث : " لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد " لأن معناه عند العلماء في النذر إذا نذر أحد الثلاثة لزمه إتيانه ، أما إتيان مسجد قباء وغيره تطوعا بلا نذر فيجوز ، وإعمال المطي معناه الكلفة والمعونة والمشقة .

                                                                                                          وقال الباجي : ليس إتيان قباء من المدينة من إعمال المطي ؛ لأنه من صفات الأسفار البعيدة ، ولا يقال لمن خرج من داره إلى المسجد راكبا أنه أعمل المطي ، ولا خلاف في جواز ركوبه إلى المسجد قريب منه في جمعة أو غيرها ، ولو أتى أحد إلى قباء من بلد بعيد لارتكب النهي .

                                                                                                          قال الحافظ : وفي الحديث فضل قباء ومسجدها وفضل الصلاة فيه لكن لم يثبت في ذلك تضعيف بخلاف المساجد الثلاثة .

                                                                                                          وروى عمر بن شيبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح ، عن سعد بن أبي وقاص قال : لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل ، انتهى .

                                                                                                          روى النسائي وقاسم بن أصبغ ، عن سهل بن حنيف مرفوعا : " من توضأ فأحسن الدفع ثم خرج حتى يأتي مسجد قباء فيصلي فيه كان له عدل عمرة " وفي رواية عند قاسم : " ثم خرج عامدا إلى مسجد قباء لا يخرجه إلا الصلاة فيه كان له بمنزلة عمرة " وللترمذي ، عن أسيد بن ظهير رفعه : " الصلاة في مسجد قباء كعمرة " والجمهور أنه المراد بقوله تعالى : لمسجد أسس على التقوى ( سورة التوبة : الآية 108 ) وذهب قوم منهم ابن عمر وأبو سعيد وزيد بن ثابت إلى أنه مسجد المدينة وحجته قوية فقد صح مرفوعا نصا ، أخرج مسلم ، عن أبي سعيد : " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال : " هو مسجدكم هذا " ولأحمد والترمذي ، عن أبي سعيد : " اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما : هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الآخر : هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه ، عن ذلك فقال : هو هذا وفي ذلك خير كثير " وأخرج أحمد ، عن سهل بن سعد نحوه ، ومن وجه آخر ، عن سهل ، عن أبي بن كعب مرفوعا .

                                                                                                          ولهذه الأحاديث وصحتها جزم مالك في العتبية بأنه مسجد المدينة .

                                                                                                          وقال ابن رشد في شرحها : إنه الصحيح ، قال الحافظ : والحق أن كلا منهما أسس على التقوى .

                                                                                                          وقوله تعالى في بقية الآية : فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( سورة التوبة : الآية 108 ) يؤيد أن المراد مسجد قباء .

                                                                                                          ولأبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا نزلت : رجال يحبون أن يتطهروا في أهل قباء .

                                                                                                          وعلى هذا فالسر في جوابه - صلى الله عليه وسلم - بأنه مسجده ، رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء .

                                                                                                          قال الداودي وغيره : ليس هذا اختلافا ؛ لأن كلا منهما أسس على التقوى ، وكذا قال السهيلي : وزاد ، لكن قوله : من أول يوم ( سورة التوبة : الآية 108 ) يقتضي مسجد قباء ؛ لأن تأسيسه في أول يوم حل النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار الهجرة ، انتهى .

                                                                                                          والحديث رواه مسلم ، عن يحيى ، عن مالك ، عن ابن دينار به ، وتابعه عبد العزيز بن مسلم في البخاري ، وإسماعيل بن جعفر [ ص: 579 ] وسفيان بن عيينة في مسلم ثلاثتهم ، عن ابن دينار ، وتابعه في روايته عن نافع أيوب السختياني في الصحيحين ، وعبيد الله بن عمر وابن عجلان كلاهما في مسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية