وقوله : وأيقنوا أنه ليس بمخلوق ككلام البرية . رده على كلام الله تعالى بالحقيقة المعتزلة وغيرهم بهذا القول ظاهر . وفي قوله : بالحقيقة رد على من قال : إنه معنى واحد قام بذات الله لم يسمع منه وإنما [ ص: 198 ] هو الكلام النفساني ، لأنه لا يقال لمن قام به الكلام النفساني ولم يتكلم به : أن هذا كلام حقيقة ، وإلا للزم أن يكون الأخرس متكلما ، ولزم أن لا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو القرآن ولا كلام الله ، ولكن عبارة عنه ليست هي كلام الله ، كما لو أشار أخرس إلى شخص بإشارة فهم بها مقصوده ، فكتب ذلك الشخص عبارته عن المعنى الذي أوحاه إليه ذلك الأخرس ، فالمكتوب هو عبارة ذلك الشخص عن ذلك المعنى . وهذا المثل مطابق غاية المطابقة لما يقولونه ، وإن كان الله تعالى لا يسميه أحد أخرس ، لكن عندهم أن الملك فهم منه معنى قائما بنفسه ، لم يسمع منه حرفا ولا صوتا ، بل فهم معنى مجردا ، ثم عبر عنه ، فهو الذي أحدث نظم القرآن وتأليفه العربي ، أو أن الله خلق في بعض الأجسام كالهوى الذي هو دون الملك هذه العبارة .
ويقال لمن قال إنه معنى واحد : هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه ؟ فإن قال : سمعه كله ، فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله وفساد هذا ظاهر . وإن قال : بعضه ، فقد قال يتبعض . وكذلك كل من كلمه الله أو أنزل إليه شيئا من كلامه .
ولما قال تعالى للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة ( البقرة : 30 ) . ولما قال لهم . اسجدوا لآدم ( البقرة : 34 ) . وأمثال ذلك : هل هذا جميع كلامه أو بعضه ؟ فإن قال : إنه جميعه ، فهذا مكابرة ، وإن قال : بعضه ، فقد اعترف بتعدده .