قوله : ( يهدي من يشاء ، ويعصم ويعافي فضلا . ويضل من يشاء ، ويخذل ويبتلي عدلا ) .
ش : هذا رد على
المعتزلة في قولهم بوجوب
nindex.php?page=treesubj&link=28778_30490فعل الأصلح للعبد على الله ، وهي مسألة الهدى والضلال . قالت
المعتزلة : الهدى من الله : بيان طريق الصواب ، والإضلال : تسمية العبد ضالا ، أو حكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه . وهذا مبني على أصلهم الفاسد : أن أفعال العباد مخلوقة لهم . والدليل على ما قلناه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( القصص : 56 ) . ولو كان الهدى بيان الطريق - لما صح هذا النفي عن نبيه ، لأنه صلى الله عليه وسلم بين الطريق لمن
[ ص: 138 ] أحب وأبغض . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( السجدة : 13 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ( المدثر : 31 ) . ولو كان الهدى من الله البيان ، وهو عام في كل نفس - لما صح التقييد بالمشيئة . وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=57ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ( الصافات : 57 ) . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ( الأنعام : 39 ) .
قوله : ( وكلهم يتقلبون في مشيئته ، بين فضله وعدله ) .
ش : فإنهم كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( التغابن : 2 ) . فمن هداه إلى الإيمان فبفضله ، وله الحمد ، ومن أضله فبعدله ، وله الحمد . وسيأتي لهذا المعنى زيادة إيضاح ، إن شاء الله تعالى ، فإن الشيخ رحمه الله لم يجمع الكلام في القدر في مكان واحد ، بل فرقه ، فأتيت به على ترتيبه .
قوله : ( وهو متعال عن الأضداد والأنداد ) .
ش : الضد : المخالف ، والند : المثل . فهو سبحانه لا معارض له ، بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا مثل له ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد ( الإخلاص : 4 ) . ويشير الشيخ رحمه الله - بنفي الضد والند - إلى الرد على
المعتزلة ، في زعمهم أن العبد يخلق فعله .
قوله : ( لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولا غالب لأمره ) .
ش : أي :
nindex.php?page=treesubj&link=28791_28783_30451لا يرد قضاء الله راد ، ولا يعقب ، أي لا يؤخر حكمه ، مؤخر ، ولا يغلب أمره غالب ، بل هو الله الواحد القهار .
[ ص: 139 ] قوله : ( آمنا بذلك كله ، وأيقنا أن كلا من عنده ) ش : أما الإيمان فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى . والإيقان : الاستقرار ، من يقن الماء في الحوض إذا استقر . والتنوين في ( كلا ) بدل الإضافة ، أي : كل كائن محدث من عند الله ، أي : بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته وتكوينه . وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه ، إن شاء الله تعالى .
قَوْلُهُ : ( يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ، وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا . وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَخْذُلُ وَيَبْتَلِي عَدْلًا ) .
ش : هَذَا رَدٌّ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=28778_30490فِعْلِ الْأَصْلَحِ لِلْعَبْدِ عَلَى اللَّهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهُدَى وَالضَّلَالِ . قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْهُدَى مِنَ اللَّهِ : بَيَانُ طَرِيقِ الصَّوَابِ ، وَالْإِضْلَالُ : تَسْمِيَةُ الْعَبْدِ ضَالًّا ، أَوْ حُكْمُهُ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ بِالضَّلَالِ عِنْدَ خَلْقِ الْعَبْدِ الضَّلَالَ فِي نَفْسِهِ . وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ : أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ . وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=56إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ( الْقَصَصِ : 56 ) . وَلَوْ كَانَ الْهُدَى بَيَانُ الطَّرِيقِ - لَمَا صَحَّ هَذَا النَّفْيُ عَنْ نَبِيِّهِ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الطَّرِيقَ لِمَنْ
[ ص: 138 ] أَحَبَّ وَأَبْغَضَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ( السَّجْدَةِ : 13 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=31يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ( الْمُدَّثِّرِ : 31 ) . وَلَوْ كَانَ الْهُدَى مِنَ اللَّهِ الْبَيَانُ ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ نَفْسٍ - لَمَا صَحَّ التَّقْيِيدُ بِالْمَشِيئَةِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=57وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ( الصَّافَّاتِ : 57 ) . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=39مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( الْأَنْعَامِ : 39 ) .
قَوْلُهُ : ( وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ ، بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ ) .
ش : فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ( التَّغَابُنِ : 2 ) . فَمَنْ هَدَاهُ إِلَى الْإِيمَانِ فَبِفَضْلِهِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَمَنْ أَضَلَّهُ فَبِعَدْلِهِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ . وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْمَعْنَى زِيَادَةُ إِيضَاحٍ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَإِنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْكَلَامَ فِي الْقَدَرِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، بَلْ فَرَّقَهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ عَلَى تَرْتِيبِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ ) .
ش : الضِّدُّ : الْمُخَالِفُ ، وَالنِّدُّ : الْمِثْلُ . فَهُوَ سُبْحَانُهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ ، بَلْ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَا مِثْلَ لَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ( الْإِخْلَاصِ : 4 ) . وَيُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَفْيِ الضِّدِّ وَالنِّدِّ - إِلَى الرَّدِّ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ ، فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَهُ .
قَوْلُهُ : ( لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَلَا غَالِبَ لِأَمْرِهِ ) .
ش : أَيْ :
nindex.php?page=treesubj&link=28791_28783_30451لَا يَرُدُّ قَضَاءَ اللَّهِ رَادٌّ ، وَلَا يُعَقِّبُ ، أَيْ لَا يُؤَخِّرُ حُكْمَهُ ، مُؤَخِّرٌ ، وَلَا يَغْلِبُ أَمْرَهُ غَالِبٌ ، بَلْ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ .
[ ص: 139 ] قَوْلُهُ : ( آمَنَّا بِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِهِ ) ش : أَمَّا الْإِيمَانُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَالْإِيقَانُ : الِاسْتِقْرَارُ ، مِنْ يَقِنَ الْمَاءُ فِي الْحَوْضِ إِذَا اسْتَقَرَّ . وَالتَّنْوِينُ فِي ( كُلًّا ) بَدَلُ الْإِضَافَةِ ، أَيْ : كُلُّ كَائِنٍ مُحْدَثٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، أَيْ : بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .