[ ص: 510 ] قوله : ( وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن ) . ش : أي
nindex.php?page=treesubj&link=28806_30483أكرم المؤمنين هو الأطوع لله والأتبع للقرآن ، وهو الأتقى ، والأتقى هو الأكرم ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ الحجرات : 13 ] . وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964416nindex.php?page=treesubj&link=30483لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض - : إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب . وبهذا الدليل يظهر ضعف تنازعهم في مسألة الفقير الصابر والغني الشاكر ، وترجيح أحدهما على الآخر ، وأن التحقيق أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى ، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق ، فالمسألة فاسدة في نفسها . فإن التفضيل عند الله بالتقوى وحقائق الإيمان ، لا بفقر ولا غنى . ولهذا - والله أعلم - قال
عمر رضي الله عنه : الغنى والفقر مطيتان ، لا أبالي أيهما ركبت . والفقر والغنى ابتلاء من الله تعالى لعبده، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن الآية [ الفجر : 15 ] .
[ ص: 511 ] فإن استوى الفقير الصابر والغني الشاكر - في التقوى ، استويا في الدرجة ، وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل عند الله ، فإن الفقر والغنى لا يوزنان ، وإنما يوزن الصبر والشكر .
ومنهم من أحال المسألة من وجه آخر : وهو أن الإيمان [ نصف ] صبر ونصف شكر ، فكل منهما لا بد له من صبر وشكر . وإنما أخذ الناس فرعا من الصبر وفرعا من الشكر ، وأخذوا في الترجيح ، فجردوا غنيا منفقا متصدقا باذلا ماله في وجوب القرب شاكرا لله عليه ، وفقيرا متفرغا لطاعة الله ولأداء العبادات صابرا على فقره . وحينئذ يقال : إن أكملهما أطوعهما وأتبعهما ، فإن تساويا تساوت درجتهما . والله أعلم . ولو صح التجريد ، لصح أن يقال : أيما أفضل معافى شاكر ، أو مريض صابر ؟ و مطاع شاكر ، أو مهان صابر ؟ أو آمن شاكر ، أو خائف صابر ؟ ونحو ذلك .
[ ص: 510 ] قَوْلُهُ : ( وَأَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ ) . ش : أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28806_30483أَكْرَمُ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْأَطْوَعُ لِلَّهِ وَالْأَتْبَعُ لِلْقُرْآنِ ، وَهُوَ الْأَتْقَى ، وَالْأَتْقَى هُوَ الْأَكْرَمُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ الْحُجُرَاتِ : 13 ] . وَفِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964416nindex.php?page=treesubj&link=30483لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ - : إِلَّا بِالتَّقْوَى ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ . وَبِهَذَا الدَّلِيلِ يَظْهَرُ ضَعْفُ تَنَازُعِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ ، وَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ التَّفْضِيلَ لَا يَرْجِعُ إِلَى ذَاتِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْحَقَائِقِ ، فَالْمَسْأَلَةُ فَاسِدَةٌ فِي نَفْسِهَا . فَإِنَّ التَّفْضِيلَ عِنْدَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ ، لَا بِفَقْرٍ وَلَا غِنًى . وَلِهَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَطِيَّتَانِ ، لَا أُبَالِي أَيُّهُمَا رَكِبْتُ . وَالْفَقْرُ وَالْغِنَى ابْتِلَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ الْآيَةَ [ الْفَجْرِ : 15 ] .
[ ص: 511 ] فَإِنِ اسْتَوَى الْفَقِيرُ الصَّابِرُ وَالْغَنِيُّ الشَّاكِرُ - فِي التَّقْوَى ، اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ ، وَإِنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا فِيهَا فَهُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى لَا يُوزَنَانِ ، وَإِنَّمَا يُوزَنُ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ : وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ [ نِصْفٌ ] صَبْرٌ وَنِصْفٌ شُكْرٌ ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَبْرٍ وَشُكْرٍ . وَإِنَّمَا أَخَذَ النَّاسُ فَرْعًا مِنَ الصَّبْرِ وَفَرْعًا مِنَ الشُّكْرِ ، وَأَخَذُوا فِي التَّرْجِيحِ ، فَجَرَّدُوا غَنِيًّا مُنْفِقًا مُتَصَدِّقًا بَاذِلًا مَالَهُ فِي وُجُوبِ الْقُرْبِ شَاكِرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ ، وَفَقِيرًا مُتَفَرِّغًا لِطَاعَةِ اللَّهِ وَلِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ صَابِرًا عَلَى فَقْرِهِ . وَحِينَئِذٍ يُقَالُ : إِنَّ أَكْمَلَهُمَا أَطْوَعُهُمَا وَأَتْبَعُهُمَا ، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاوَتْ دَرَجَتُهُمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَلَوْ صَحَّ التَّجْرِيدُ ، لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ : أَيُّمَا أَفْضَلُ مُعَافًى شَاكِرٌ ، أَوْ مَرِيضٌ صَابِرٌ ؟ وَ مُطَاعٌ شَاكِرٌ ، أَوْ مُهَانٌ صَابِرٌ ؟ أَوْ آمِنٌ شَاكِرٌ ، أَوْ خَائِفٌ صَابِرٌ ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ .