واختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=27530_27522الكبائر على أقوال :
فقيل : سبع .
وقيل : سبع عشرة .
وقيل : ما اتفقت الشرائع على تحريمه .
وقيل : ما يسد باب المعرفة بالله .
وقيل : ذهاب الأموال والأبدان .
وقيل : سميت كبائر بالنسبة والإضافة إلى ما دونها .
وقيل : لا تعلم أصلا . أو : أنها أخفيت كليلة القدر .
وقيل : إنها إلى السبعين أقرب .
وقيل : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة .
وقيل : إنها ما يترتب عليها حد أو توعد عليها بالنار ، أو اللعنة ، أو الغضب ، وهذا أمثل الأقوال .
واختلفت عبارة قائليه :
منهم من قال : الصغيرة ما دون الحدين : حد الدنيا وحد الآخرة .
ومنهم من قال : كل ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار .
[ ص: 526 ] ومنهم من قال : الصغيرة ما ليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة ، والمراد بالوعيد : الوعيد الخاص بالنار أو اللعنة أو الغضب ، فإن الوعيد الخاص في الآخرة كالعقوبة الخاصة في الدنيا ، أعني المقدرة ، فالتعزير في الدنيا نظير الوعيد بغير النار أو اللعنة أو الغضب .
وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره ، فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة ، كالشرك ، والقتل ، والزنا ، والسحر ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، ونحو ذلك ، كالفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وأمثال ذلك .
وترجيح هذا القول من وجوه :
أحدها : أنه هو المأثور عن السلف ،
nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وابن حنبل رضي الله عنهم ، وغيرهم .
الثاني : أن الله تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما [ النساء : 31 ] . فلا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله ولعنته وناره ، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر .
الثالث : أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله من الذنوب ، فهو حد متلقى من خطاب الشارع .
الرابع : أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر ،
[ ص: 527 ] بخلاف تلك الأقوال ، فإن من قال : سبع ، أو سبع عشرة ، أو إلى السبعين أقرب - : مجرد دعوى .
ومن قال : ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه - : يقتضي أن شرب الخمر ، والفرار من الزحف ، والتزوج ببعض المحارم ، والمحرم بالرضاعة والصهرية ، ونحو ذلك - ليس من الكبائر ! وأن الحبة من مال اليتيم ، والسرقة لها ، والكذبة الواحدة الخفيفة ، ونحو ذلك - : من الكبائر ! وهذا فاسد .
ومن قال : ما سد باب المعرفة بالله ، أو ذهاب الأموال والأبدان - : يقتضي أن شرب الخمر ، وأكل الخنزير والميتة والدم ، وقذف المحصنات - ليس من الكبائر ! وهذا فاسد .
ومن قال : إنها سميت كبائر بالنسبة إلى ما دونها ، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة - : يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر ! وهذا فاسد ، لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر .
ومن قال : إنها لا تعلم أصلا ، أو إنها مبهمة - : فإنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها ، فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره . والله أعلم . وقوله : وإن لم يكونوا تائبين - لأن التوبة لا خلاف أنها تمحو الذنوب ، وإنما الخلاف في غير التائب .
وقوله : بعد أن لقوا الله تعالى عارفين - لو قال : مؤمنين ، بدل قوله : عارفين ، كان أولى ، لأن من عرف الله ولم يؤمن به فهو كافر . وإنما اكتفى بالمعرفة وحدها الجهم ، وقوله مردود باطل ، كما تقدم . فإن
[ ص: 528 ] إبليس عارف بربه ،
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=36قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون [ الحجر : 36 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إلا عبادك منهم المخلصين [ ص : 82 83 ] . وكذلك
فرعون وأكثر الكافرين . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [ لقمان : 25 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=84قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=85سيقولون لله [ المؤمنون : 84 - 85 ] . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى .
وكأن الشيخ رحمه الله أراد المعرفة الكاملة المستلزمة للاهتداء ، التي يشير إليها أهل الطريقة ، وحاشا أولئك أن يكونوا من أهل الكبائر ، بل هم سادة الناس وخاصتهم .
وقوله : وهم في مشيئة الله وحكمه ، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله ، إلى آخر كلامه - فصل الله تعالى بين الشرك وغيره لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28675_27530الشرك أكبر الكبائر ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، وأخبر الله تعالى أن الشرك غير مغفور ، وعلق غفران ما دونه بالمشيئة ، والجائز يعلق بالمشيئة دون الممتنع ، ولو كان الكل سواء لما كان للتفصيل معنى . ولأنه علق هذا الغفران بالمشيئة ،
nindex.php?page=treesubj&link=19714_19715وغفران الكبائر والصغائر بعد التوبة مقطوع به ، غير معلق بالمشيئة ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم [ الزمر : 53 ] . فوجب أن يكون الغفران المعلق بالمشيئة هو غفران الذنوب سوى الشرك بالله قبل التوبة .
[ ص: 529 ] وقوله : ذلك أن الله مولى أهل معرفته - فيه مؤاخذة لطيفة ، كما تقدم .
وقوله :
اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا بالإسلام ، وفي نسخة : ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به - روى شيخ الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=16132أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق ، بسنده عن
أنس رضي الله عنه ، قال : كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
يا ولي الإسلام وأهله ، مسكني بالإسلام حتى ألقاك عليه . ومناسبة ختم الكلام المتقدم بهذا الدعاء ظاهرة . وبمثل هذا الدعاء دعا
يوسف الصديق صلوات الله عليه ، حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين [ يوسف : 101 ] . وبه دعا السحرة الذين كانوا أول من آمن
بموسى صلوات الله على نبينا وعليه ، حيث قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=126ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين [ الأعراف : 126 ] . ومن استدل بهاتين الآيتين على جواز تمني الموت فلا دليل له فيه ، فإن الدعاء إنما هو بالموت على الإسلام ، لا بمطلق الموت ، ولا بالموت الآن ، والفرق ظاهر .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27530_27522الْكَبَائِرِ عَلَى أَقْوَالٍ :
فَقِيلَ : سَبْعٌ .
وَقِيلَ : سَبْعَ عَشْرَةَ .
وَقِيلَ : مَا اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ .
وَقِيلَ : مَا يَسُدُّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ .
وَقِيلَ : ذَهَابُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ .
وَقِيلَ : سُمِّيَتْ كَبَائِرَ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مَا دُونَهَا .
وَقِيلَ : لَا تُعْلَمُ أَصْلًا . أَوْ : أَنَّهَا أُخْفِيَتْ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ .
وَقِيلَ : إِنَّهَا إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ .
وَقِيلَ : كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ .
وَقِيلَ : إِنَّهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حَدٌّ أَوْ تُوُعِّدَ عَلَيْهَا بِالنَّارِ ، أَوِ اللَّعْنَةِ ، أَوِ الْغَضَبِ ، وَهَذَا أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ .
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ قَائِلِيهِ :
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الصَّغِيرَةُ مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ الْآخِرَةِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كُلُّ ذَنْبٍ لَمْ يُخْتَمْ بِلَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ .
[ ص: 526 ] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الصَّغِيرَةُ مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْوَعِيدِ : الْوَعِيدُ الْخَاصُّ بِالنَّارِ أَوِ اللَّعْنَةُ أَوِ الْغَضَبُ ، فَإِنَّ الْوَعِيدَ الْخَاصَّ فِي الْآخِرَةِ كَالْعُقُوبَةِ الْخَاصَّةِ فِي الدُّنْيَا ، أَعْنِي الْمَقْدِرَةَ ، فَالتَّعْزِيرُ فِي الدُّنْيَا نَظِيرُ الْوَعِيدِ بِغَيْرِ النَّارِ أَوِ اللَّعْنَةِ أَوِ الْغَضَبِ .
وَهَذَا الضَّابِطُ يَسْلَمُ مِنَ الْقَوَادِحِ الْوَارِدَةِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، كَالشِّرْكِ ، وَالْقَتْلِ ، وَالزِّنَا ، وَالسِّحْرِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَأَكْلِ الرِّبَا ، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ ، وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
وَتَرْجِيحُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنِ السَّلَفِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11كَابْنِ عَبَّاسٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16008وَابْنِ عُيَيْنَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَغَيْرِهِمْ .
الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [ النِّسَاءِ : 31 ] . فَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْوَعْدَ الْكَرِيمَ مَنْ أُوعِدَ بِغَضَبِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ وَنَارِهِ ، وَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَحَقَّ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَاتُهُ مُكَفَّرَةً عَنْهُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ مَرْجِعُهُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَهُوَ حَدٌّ مُتَلَقًّى مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِهِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ ،
[ ص: 527 ] بِخِلَافِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ : سَبْعٌ ، أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ ، أَوْ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ - : مُجَرَّدُ دَعْوَى .
وَمَنْ قَالَ : مَا اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ دُونَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ - : يَقْتَضِي أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ ، وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ ، وَالتَّزَوُّجَ بِبَعْضِ الْمَحَارِمِ ، وَالْمُحَرَّمَ بِالرَّضَاعَةِ وَالصِّهْرِيَّةِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ ! وَأَنَّ الْحَبَّةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالسَّرِقَةَ لَهَا ، وَالْكِذْبَةَ الْوَاحِدَةَ الْخَفِيفَةَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - : مِنَ الْكَبَائِرِ ! وَهَذَا فَاسِدٌ .
وَمَنْ قَالَ : مَا سَدَّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ ، أَوْ ذَهَابَ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ - : يَقْتَضِي أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ ، وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ، وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ - لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ ! وَهَذَا فَاسِدٌ .
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا سُمِّيَتْ كَبَائِرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهَا ، أَوْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ - : يَقْتَضِي أَنَّ الذُّنُوبَ فِي نَفْسِهَا لَا تَنْقَسِمُ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ ! وَهَذَا فَاسِدٌ ، لِأَنَّهُ خِلَافُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَقْسِيمِ الذُّنُوبِ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ .
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا لَا تُعْلَمُ أَصْلًا ، أَوْ إِنَّهَا مُبْهَمَةٌ - : فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا ، فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَهَا غَيْرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبِينَ - لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا خِلَافَ أَنَّهَا تَمْحُو الذُّنُوبَ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ التَّائِبِ .
وَقَوْلُهُ : بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللَّهَ تَعَالَى عَارِفِينَ - لَوْ قَالَ : مُؤْمِنِينَ ، بَدَلَ قَوْلِهِ : عَارِفِينَ ، كَانَ أَوْلَى ، لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ . وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالْمَعْرِفَةِ وَحْدَهَا الْجَهْمُ ، وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ . فَإِنَّ
[ ص: 528 ] إِبْلِيسَ عَارِفٌ بِرَبِّهِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=36قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ الْحِجْرِ : 36 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ ص : 82 83 ] . وَكَذَلِكَ
فِرْعَوْنُ وَأَكْثَرُ الْكَافِرِينَ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=25وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [ لُقْمَانَ : 25 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=84قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=85سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [ الْمُؤْمِنُونَ : 84 - 85 ] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى .
وَكَأَنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ الْمَعْرِفَةَ الْكَامِلَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِلِاهْتِدَاءِ ، الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا أَهْلُ الطَّرِيقَةِ ، وَحَاشَا أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ ، بَلْ هُمْ سَادَةُ النَّاسِ وَخَاصَّتُهُمْ .
وَقَوْلُهُ : وَهُمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ ، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ - فَصَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_27530الشِّرْكَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشِّرْكَ غَيْرُ مَغْفُورٍ ، وَعَلَّقَ غُفْرَانَ مَا دُونَهُ بِالْمَشِيئَةِ ، وَالْجَائِزُ يُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ سَوَاءً لَمَا كَانَ لِلتَّفْصِيلِ مَعْنًى . وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ هَذَا الْغُفْرَانَ بِالْمَشِيئَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19714_19715وَغُفْرَانُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مَقْطُوعٌ بِهِ ، غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [ الزُّمَرِ : 53 ] . فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْغُفْرَانُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ هُوَ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ سِوَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ .
[ ص: 529 ] وَقَوْلُهُ : ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ مَوْلَى أَهْلِ مَعْرِفَتِهِ - فِيهِ مُؤَاخَذَةٌ لَطِيفَةٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَوْلُهُ :
اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مَسِّكْنَا بِالْإِسْلَامِ ، وَفِي نُسْخَةٍ : ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ - رَوَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16132أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفَارُوقِ ، بِسَنَدِهِ عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، مَسِّكْنِي بِالْإِسْلَامِ حَتَّى أَلْقَاكَ عَلَيْهِ . وَمُنَاسِبَةُ خَتْمِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ بِهَذَا الدُّعَاءِ ظَاهِرَةٌ . وَبِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ دَعَا
يُوسُفُ الصِّدِّيقُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=101رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [ يُوسُفَ : 101 ] . وَبِهِ دَعَا السَّحَرَةُ الَّذِينَ كَانُوا أَوَّلَ مَنْ آمَنَ
بِمُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ ، حَيْثُ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=126رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [ الْأَعْرَافِ : 126 ] . وَمَنِ اسْتَدَلَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى جَوَازِ تَمَنِّي الْمَوْتِ فَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ ، لَا بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ ، وَلَا بِالْمَوْتِ الْآنَ ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ .