قوله : (
nindex.php?page=treesubj&link=29464_28808ولا نفضل أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ، ونقول : نبي واحد أفضل من جميع الأولياء ) .
[ ص: 742 ] ش : يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على
الاتحادية وجهلة
المتصوفة ، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع . فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك [ النساء : 64 ] إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ويسلموا تسليما [ النساء : 65 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [ آل عمران : 31 ] .
قال
أبو عثمان النيسابوري : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا ، نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه ، نطق بالبدعة .
وقال بعضهم : ما ترك بعضهم شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه .
والأمر كما قال ، فإنه إذا لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول ، كان يعمل بإرادة نفسه ، فيكون متبعا لهواه ، بغير هدى من الله ، وهذا غش النفس ، وهو من الكبر ، فإنه شبيه بقول الذين قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] .
[ ص: 743 ] وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة ، وتصفية نفسه ، إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم !
ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء ! !
ومنهم من يقول إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء ! ! ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء ! ! ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون ، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه ، ليس له صانع مباين له ، لكن هذا يقول : هو الله ! وفرعون أظهر الإنكار بالكلية ، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم ، فإنه كان مثبتا للصانع ، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق ،
كابن عربي وأمثاله ! ! وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره - قال : النبوة ختمت ، لكن الولاية لم تختم ! وادعى من الولاية ما هو أعظم من النبوة وما يكون للأنبياء والمرسلين ، وأن الأنبياء مستفيدون منها ! كما قال :
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي !
[ ص: 744 ] وهذا قلب للشريعة ، فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون [ يونس : 62 - 63 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=29634والنبوة أخص من الولاية ،
nindex.php?page=treesubj&link=29634والرسالة أخص من النبوة ، كما تقدم التنبيه على ذلك .
وقال
ابن عربي أيضا في فصوصه : ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن فرآها قد كملت إلا موضع لبنة ، فكان هو صلى الله عليه وسلم موضع اللبنة ، وأما خاتم الأولياء فلابد له من هذه الرؤية ، فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرى نفسه في الحائط في موضع لبنتين ! ! ويرى نفسه تنطبع في موضع [ تينك ] اللبنتين ، فيكمل الحائط ! ! والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين : أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، واللبنة الفضة هي ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام ، كما هو أخذ عن الله في الشرع ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه ، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه ، فلابد أن يراه هكذا ، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ! فإنه يأخذ من المعدن
[ ص: 745 ] الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى إليه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن فهمت ما أشرنا إليه فقد حصل لك العلم النافع ! !
قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=treesubj&link=29464_28808وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَنَقُولُ : نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ ) .
[ ص: 742 ] ش : يُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى
الِاتِّحَادِيَّةِ وَجَهَلَةِ
الْمُتَصَوِّفَةِ ، وَإِلَّا فَأَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ بِمُتَابَعَةِ الْعِلْمِ وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ . فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مُتَابَعَةُ الرُّسُلِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=64وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ [ النِّسَاءِ : 64 ] إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ النِّسَاءِ : 65 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ آلِ عِمْرَانَ : 31 ] .
قَالَ
أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ : مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا ، نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ ، نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ .
وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ ، بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ، وَهَذَا غِشُّ النَّفْسِ ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ ، فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [ الْأَنْعَامِ : 124 ] .
[ ص: 743 ] وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَصِلُ بِرِيَاسَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ ، وَتَصْفِيَةِ نَفْسِهِ ، إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِطَرِيقَتِهِمْ !
وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ صَارَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ! !
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ ! ! وَيَدَّعِي لِنَفْسِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ ! ! وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ ، لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ مُبَايِنٌ لَهُ ، لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ : هُوَ اللَّهُ ! وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَكِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ ، وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ ،
كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ ! ! وَهُوَ لَمَّا رَأَى أَنَّ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهِ - قَالَ : النُّبُوَّةُ خُتِمَتْ ، لَكِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُخْتَمْ ! وَادَّعَى مِنَ الْوِلَايَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَفِيدُونَ مِنْهَا ! كَمَا قَالَ :
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ !
[ ص: 744 ] وَهَذَا قَلْبٌ لِلشَّرِيعَةِ ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [ يُونُسَ : 62 - 63 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=29634وَالنُّبُوَّةُ أَخَصُّ مِنَ الْوِلَايَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29634وَالرِّسَالَةُ أَخَصُّ مِنَ النُّبُوَّةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ
ابْنُ عَرَبِيٍّ أَيْضًا فِي فُصُوصِهِ : وَلَمَّا مَثَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّبُوَّةَ بِالْحَائِطِ مِنَ اللَّبِنِ فَرَآهَا قَدْ كَمُلَتْ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ ، فَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ ، وَأَمَّا خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَابُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ ، فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَرَى نَفْسَهُ فِي الْحَائِطِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَتَيْنِ ! ! وَيَرَى نَفْسَهُ تَنْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ [ تَيْنِكَ ] اللَّبِنَتَيْنِ ، فَيُكْمِلُ الْحَائِطَ ! ! وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ يَرَاهَا لَبِنَتَيْنِ : أَنَّ الْحَائِطَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَاللَّبِنَةُ الْفِضَّةُ هِيَ ظَاهِرُهُ وَمَا يَتْبَعُهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ ، كَمَا هُوَ أَخْذٌ عَنِ اللَّهِ فِي الشَّرْعِ مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ مُتَّبَعٌ فِيهِ ، لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَلَابُدَّ أَنْ يَرَاهُ هَكَذَا ، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الذَّهَبِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ ! فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ
[ ص: 745 ] الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحَى إِلَيْهِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَإِنْ فَهِمْتَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ ! !