وإذا تأمل الفاضل غاية وجد الصواب منها يعود إلى بعض ما ذكر في القرآن من الطرق العقلية بأفصح عبارة وأوجزها ، وفي طرق القرآن من تمام البيان والتحقيق ما لا يوجد عندهم مثله ، قال تعالى : ما يذكره المتكلمون والفلاسفة من الطرق العقلية ، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ( الفرقان : 33 ) .
ولا نقول : لا ينفع الاستدلال بالمقدمات الخفية والأدلة الطويلة : فإن الخفاء والظهور من الأمور النسبية ، فربما ظهر لبعض [ ص: 77 ] الناس ما خفي على غيره ، ويظهر للإنسان الواحد في حال ما خفي عليه في حال أخرى . وأيضا فالمقدمات وإن كانت خفية فقد يسلمها بعض الناس وينازع فيما هو أجلى منها ، وقد تفرح النفس بما علمته بالبحث والنظر ما لا تفرح بما علمته من الأمور الظاهرة . ولا شك أن العلم بإثبات الصانع ووجوب وجوده أمر ضروري فطري ، وإن كان يحصل لبعض الناس من الشبه ما يخرجه إلى الطرق النظرية .