[ ص: 282 ] [ ص: 283 ] الجزء الثاني
[ ص: 284 ] [ ص: 285 ] فصل
في كسر الطاغوت الثالث
الذي وضعته
الجهمية ، لتعطيل حقائق الأسماء والصفات ،
وهو طاغوت
nindex.php?page=treesubj&link=28714المجاز
هذا الطاغوت لهج به المتأخرون ، والتجأ إليه المعطلون ، وجعلوه جنة يترسون بها من سهام الراشقين ويصدرون عن حقائق الوحي المبين ، فمنهم من يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=20988الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولا .
ومنهم من يقول : الحقيقة هي المعنى الذي وضع له اللفظ أولا ،
nindex.php?page=treesubj&link=21010والمجاز استعمال اللفظ فيما وضع له ثانيا .
فهاهنا ثلاثة أمور : لفظ ومعنى واستعمال ، فمنهم من جعل مورد التقسيم هو الأول ، ومنهم من جعله الثاني ، ومنهم من جعله الثالث ، والقائلون حقيقة اللفظ كذا ومجازه كذا يجعلون الحقيقة والمجاز من عوارض المعاني .
فإنهم إذا قالوا مثلا : حقيقة الأسد هو الحيوان المفترس ، ومجازه الرجل الشجاع ، جعلوا الحقيقة والمجاز للمعنى لا للألفاظ ، وإذا قالوا : هذا الاستعمال حقيقة ، وهذا الاستعمال مجاز جعلوا ذلك من توابع الاستعمال ، وإذا قالوا هذا اللفظ حقيقة في كذا ، مجاز في كذا جعلوا ذلك من عوارض الألفاظ ، وكثير منهم في كلامه هذا وهذا وهذا .
والمقصود أنهم سواء قسموا اللفظ ومدلوله أو استعماله في مدلوله طولبوا بثلاثة أمور : أحدها : تعيين ورود التقسيم ، الثاني : صحته بذكر ما تشترك فيه الأقسام وما ينفصل وما يتميز به ، فلا بد من ذلك المشترك والمميز ضرورة صحة التقسيم الثالث : التزام الطرد والعكس ، فإن التقسيم من جنس التحديد ، إذ هو مشتمل على القدر المشترك والقدر المميز الفارق فإن لم يطرد التقسيم وينعكس كان تقسيما فاسدا .
فنقول : تقسيمكم الألفاظ ومعانيها واستعمالها فيها إلى حقيقة ومجاز ، إما أن يكون عقليا أو شرعيا ، أو لغويا أو اصطلاحيا ، والأقسام الثلاثة الأول باطلة ، فإن العقل لا مدخل له في دلالة اللفظ وتخصيصه بالمعنى المدلول عليه حقيقة كان أو مجازا ، فإن دلالة اللفظ على معناه وليست كدلالة الانكسار على الكسر والانفعال على الفعل لو كانت عقلية لما اختلفت باختلاف الأمم ولما جهل أحد معنى لفظ ، والشرع لم يرد
[ ص: 286 ] بهذا التقسيم ولا دل عليه ، ولا أشار إليه ، وأهل اللغة لم يصرح أحد منهم بأن العرب قسمت لغاتها إلى حقيقة ومجاز ولا قال أحد من العرب قط : هذا اللفظ حقيقة وهذا مجاز ، ولا وجد فى كلام من نقل لغتهم عنهم مشافهة ولا بواسطة ذلك ، ولهذا لا يوجد في كلام
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبي عمرو بن العلاء nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي وأمثالهم ، كما لم يوجد ذلك في كلام رجل واحد من الصحابة ولا من التابعين ولا تابع التابعين ، ولا فى كلام أحد من الأئمة الأربعة .
وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وكثرة مصنفاته ومباحثه مع
محمد بن الحسن وغيره لا يوجد فيها ذكر المجاز البتة ، وهذه رسالته التي هي كأصول الفقه لم ينطق فيها بالمجاز في موضع واحد ، وكلام الأئمة مدون بحروفه لم يحفظ عن أحد منهم تقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز ، بل أول من عرف عنه في الإسلام أنه نطق بلفظ المجاز
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة معمر بن المثنى ، فإنه صنف في تفسير القرآن كتابا مختصرا سماه مجاز القرآن ، وليس مراده به تقسيم الحقيقة ، فإنه تفسير لألفاظه بما هي موضوعة له ، وإنما عنى بالمجاز ما يعبر به من اللفظ ويفسر به ، كما سمى غيره كتابه معاني القرآن ، أي : ما يعنى بألفاظه ويراد بها ، كما يسمي
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري وغيره ذلك تأويلا ، وقد وقع في كلام
أحمد شيء من ذلك ، فإنه قال في ( الرد على
الجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=12إني معكم ) فهذا من مجاز اللغة ، يقول الرجل للرجل : سيجري عليك رزقك ، أنا مشتغل به ، وفي نسخة ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إنني معكما أسمع وأرى ) فهو جائز في اللغة ، يقول الرجل للرجل : سأجري عليك رزقك وسأفعل بك خيرا .
قلت : مراد
أحمد أن هذا الاستعمال مما يجوز في اللغة ، أي هو من جائز اللغة لا من ممتنعاتها ، ولم يرد بالمجاز أنه ليس بحقيقة وأنه يصح نفيه ، وهذا كما قال
أبو عبيدة في تفسيره إنه مجاز القرآن ، ومراد
أحمد أنه يجوز في اللغة أن يقول الواحد
[ ص: 287 ] المعظم نفسه ، نحن فعلنا كذا ، فهو مما يجوز في اللغة ، ولم يرد أن في القرآن ألفاظا استعملت في غير ما وضعت له ، وأنها يفهم منها خلاف حقائقها ، وقد تمسك بكلام
أحمد هذا من ينسب إلى مذهبه أن
nindex.php?page=treesubj&link=21016في القرآن مجازا nindex.php?page=showalam&ids=14953كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وابن الخطاب وغيرهم ، ومنع آخرون من أصحابه ذلك ،
كأبي عبد الله بن حامد ،
وأبي الحسن الجزري nindex.php?page=showalam&ids=11894وأبي الفضل التميمي .
وكذلك أصحاب
مالك مختلفون ، فكثير من متأخريهم يثبت في القرآن مجازا ، وأما المتقدمون
كابن وهب وأشهب وابن القاسم فلا يعرف عنهم في ذلك لفظة واحدة .
وقد صرح بنفي المجاز في القرآن
محمد بن خواز منداد البصري المالكي وغيره من المالكية ، وصرح بنفيه
nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي الأصبهاني وابنه
أبو بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=17150ومنذر بن سعيد البلوطي ، وصنف في نفيه مصنفا ، وبعض الناس يحكي في ذلك عن
أحمد روايتين .
وقد أنكرت طائفة أن يكون في اللغة مجاز بالكلية ،
nindex.php?page=showalam&ids=11812كأبي إسحاق الإسفرائيني وغيره ، وقوله : له غور لم يفهمه كثير من المتأخرين ، وظنوا أن النزاع لفظي ، وسنذكر أن مذهبه أسد وأصح عقلا ولغة من مذهب أصحاب المجاز ، وطائفة أخرى غلت في ذلك الجانب وادعت أن أكثر اللغة مجاز ، بل كلها ، وهؤلاء أقبح قولا وأبعد عن الصواب من قول من نفى المجاز بالكلية ، بل من نفاه أسعد بالصواب .
[ ص: 282 ] [ ص: 283 ] الْجُزْءُ الثَّانِي
[ ص: 284 ] [ ص: 285 ] فَصْلٌ
فِي كَسْرِ الطَّاغُوتِ الثَّالِثِ
الَّذِي وَضَعَتْهُ
الْجَهْمِيَّةُ ، لِتَعْطِيلِ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ،
وَهُوَ طَاغُوتُ
nindex.php?page=treesubj&link=28714الْمَجَازِ
هَذَا الطَّاغُوتُ لَهِجَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ الْمُعَطِّلُونَ ، وَجَعَلُوهُ جَنَّةً يُتَرِّسُونَ بِهَا مِنْ سِهَامِ الرَّاشِقِينَ وَيَصْدُرُونَ عَنْ حَقَائِقِ الْوَحْيِ الْمُبِينِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=20988الْحَقِيقَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ أَوَّلًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=21010وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا .
فَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : لَفْظٌ وَمَعْنًى وَاسْتِعْمَالٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ هُوَ الْأَوَّلَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الثَّانِيَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الثَّالِثَ ، وَالْقَائِلُونَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ كَذَا وَمَجَازُهُ كَذَا يَجْعَلُونَ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي .
فَإِنَّهُمْ إِذَا قَالُوا مَثَلًا : حَقِيقَةُ الْأَسَدِ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ ، وَمَجَازُهُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ ، جَعَلُوا الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لِلْمَعْنَى لَا لِلْأَلْفَاظِ ، وَإِذَا قَالُوا : هَذَا الِاسْتِعْمَالُ حَقِيقَةٌ ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مَجَازٌ جَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَإِذَا قَالُوا هَذَا اللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِي كَذَا ، مَجَازٌ فِي كَذَا جَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي كَلَامِهِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ قَسَّمُوا اللَّفْظَ وَمَدْلُولَهُ أَوِ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَدْلُولِهِ طُولِبُوا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : تَعْيِينُ وُرُودِ التَّقْسِيمِ ، الثَّانِي : صِحَّتُهُ بِذِكْرِ مَا تَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَقْسَامُ وَمَا يَنْفَصِلُ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُمَيَّزِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ : الْتِزَامُ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ ، فَإِنَّ التَّقْسِيمَ مِنْ جِنْسِ التَّحْدِيدِ ، إِذْ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَدْرِ الْمُمَيَّزِ الْفَارِقِ فَإِنْ لَمْ يَطَّرِدِ التَّقْسِيمُ وَيَنْعَكِسْ كَانَ تَقْسِيمًا فَاسِدًا .
فَنَقُولُ : تَقْسِيمُكُمُ الْأَلْفَاظَ وَمَعَانِيَهَا وَاسْتِعْمَالَهَا فِيهَا إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا ، أَوْ لُغَوِيًّا أَوِ اصْطِلَاحِيًّا ، وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ بَاطِلَةٌ ، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَتَخْصِيصِهِ بِالْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا ، فَإِنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ وَلَيْسَتْ كَدَلَالَةِ الِانْكِسَارِ عَلَى الْكَسْرِ وَالِانْفِعَالِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْ كَانَتْ عَقْلِيَّةً لَمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَلَمَا جَهِلَ أَحَدٌ مَعْنَى لَفْظٍ ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ
[ ص: 286 ] بِهَذَا التَّقْسِيمِ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ ، وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْعَرَبَ قَسَّمَتْ لُغَاتَهَا إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ قَطُّ : هَذَا اللَّفْظُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ ، وَلَا وُجِدَ فَى كَلَامِ مَنْ نَقَلَ لُغَتَهُمْ عَنْهُمْ مُشَافَهَةً وَلَا بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ
الْخَلِيلِ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءِ nindex.php?page=showalam&ids=12114وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=13721وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ ، كَمَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي كَلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِ التَّابِعِينَ ، وَلَا فَى كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ .
وَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَكَثْرَةُ مُصَنَّفَاتِهِ وَمَبَاحِثِهِ مَعَ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ لَا يُوجَدُ فِيهَا ذِكْرُ الْمَجَازِ الْبَتَّةَ ، وَهَذِهِ رِسَالَتُهُ الَّتِي هِيَ كَأُصُولِ الْفِقْهِ لَمْ يَنْطِقْ فِيهَا بِالْمَجَازِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ مُدَوَّنٌ بِحُرُوفِهِ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَقْسِيمُ اللُّغَةِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ ، بَلْ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ نَطَقَ بِلَفْظِ الْمَجَازِ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى ، فَإِنَّهُ صَنَّفَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ كِتَابًا مُخْتَصَرًا سَمَّاهُ مَجَازَ الْقُرْآنِ ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ تَقْسِيمَ الْحَقِيقَةِ ، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لِأَلْفَاظِهِ بِمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا عَنَى بِالْمَجَازِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ مِنَ اللَّفْظِ وَيُفَسَّرُ بِهِ ، كَمَا سَمَّى غَيْرُهُ كِتَابَهُ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ ، أَيْ : مَا يُعْنَى بِأَلْفَاظِهِ وَيُرَادُ بِهَا ، كَمَا يُسَمِّي
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ تَأْوِيلًا ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ
أَحْمَدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي ( الرَّدِّ عَلَى
الْجَهْمِيَّةِ فِيمَا شَكَتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=12إِنِّي مَعَكُمْ ) فَهَذَا مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : سَيَجْرِي عَلَيْكَ رِزْقُكَ ، أَنَا مُشْتَغِلٌ بِهِ ، وَفِي نُسْخَةٍ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) فَهُوَ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : سَأُجْرِي عَلَيْكَ رِزْقَكَ وَسَأَفْعَلُ بِكَ خَيْرًا .
قُلْتُ : مُرَادُ
أَحْمَدَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ مِمَّا يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ ، أَيْ هُوَ مِنْ جَائِزِ اللُّغَةِ لَا مِنْ مُمْتَنِعَاتِهَا ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْمَجَازِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَفْسِيرِهِ إِنَّهُ مَجَازُ الْقُرْآنِ ، وَمُرَادُ
أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ
[ ص: 287 ] الْمُعَظِّمُ نَفْسَهُ ، نَحْنُ فَعَلْنَا كَذَا ، فَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ أَلْفَاظًا اسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ ، وَأَنَّهَا يُفْهَمُ مِنْهَا خِلَافُ حَقَائِقِهَا ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِكَلَامِ
أَحْمَدَ هَذَا مَنْ يَنْسُبُ إِلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21016فِي الْقُرْآنِ مَجَازًا nindex.php?page=showalam&ids=14953كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمَنَعَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ ،
كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ ،
وَأَبِي الْحَسَنِ الْجَزَرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11894وَأَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ .
وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ
مَالِكٍ مُخْتَلِفُونَ ، فَكَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخَّرِيهِمْ يُثْبِتُ فِي الْقُرْآنِ مَجَازًا ، وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ
كَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا يُعْرَفُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَقَدْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ
مُحَمَّدُ بْنُ خُوَازِ مَنْدَادَ الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15858دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُهُ
أَبُو بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17150وَمُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ ، وَصَنَّفَ فِي نَفْيِهِ مُصَنَّفًا ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَحْكِي فِي ذَلِكَ عَنْ
أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ .
وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ أَنْ يَكُونَ فِي اللُّغَةِ مَجَازٌ بِالْكُلِّيَّةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11812كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَقَوْلُهُ : لَهُ غَوْرٌ لَمْ يَفْهَمْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَظَنُّوا أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ ، وَسَنَذْكُرُ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَسَدُّ وَأَصَحُّ عَقْلًا وَلُغَةً مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِ الْمَجَازِ ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى غَلَتْ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ وَادَّعَتْ أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَةِ مَجَازٌ ، بَلْ كُلُّهَا ، وَهَؤُلَاءِ أَقْبَحُ قَوْلًا وَأَبْعَدُ عَنِ الصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَنْ نَفَى الْمَجَازَ بِالْكُلِّيَّةِ ، بَلْ مَنْ نَفَاهُ أَسْعَدُ بِالصَّوَابِ .