وهذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=29616المعقول في فطر الناس ، فإذا قالوا : فلان عديم المثل ، أو قد أصبح ولا مثل له في الناس ، أو ما له شبيه ولا من يكافيه ، فإنما يريدون بذلك أنه تفرد من الصفات والأفعال والمجد بما لا يلحقه فيه غيره ، فصار واحدا في الجنس لا مثيل له ، ولو أطلقوا ذلك عليه باعتبار نفي صفاته وأفعاله ومجده لكان ذلك عندهم غاية الذم والنقص له ، فإذا أطلقوا ذلك في سياق المدح والثناء لم يشك عاقل في أنه إنما أراد كثرة أوصافه وأفعاله وأسمائه التي لها حقائق تحمل عليها ، فهل يقول عاقل لمن لا قدرة له ولا علم ولا بصر ولا يتصرف بنفسه ، ولا يفعل شيئا ولا يتكلم ، ولا له وجه ، ولا يد ولا قوة ، ولا فضيلة من الفضائل : إنه لا شبه له ولا مثل له ; وأنه وحيد دهره وفريد عصره ونسيج وحده ؟ وهل فطر الله الأمم وأطلق ألسنتهم ولغاتهم إلا على ضد ذلك ؟ وهل كان رب العالمين أهل الثناء والمجد إلا بأوصاف كماله ونعوت جلاله وأفعاله وأسمائه الحسنى ؟ وإلا فماذا يثني عليه المثنون ؟ ولأي شيء يقول أعرف الخلق به : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347214لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " ؟ ومعلوم أن هذا الثناء الذي أخبر أنه لا يحصيه لو كان بالنفي لكان هؤلاء أعلم به منه وأشد إحصاء له ، فإنهم نفوا عنه حقائق الأسماء والصفات نفيا مفصلا ، وذلك يحصيه المحصي بلا كلفة ولا تعب ، وقد فصله النفاة وأحصوه وحصروه ، يوضحه :
الوجه الرابع والثلاثون : أن الله سبحانه لما نفى عن نفسه ما يناقض الإثبات ويضاد ثبوت الصفات والأفعال فلم يبق الأمر عدميا أو ما يستلزم العدم ، كنفي السنة والنوم المستلزم لعدم كمال الحياة والقيومية ، ونفي العزوب والخفاء المستلزم لنفي كمال القدرة ، ونفي الظلم المستلزم لعدم كمال الغنى والعدل ، ونفي الشريك والظهير والشفيع المتقدم بالشفاعة المستلزم لعدم كمال الغنى والقهر والملك ، ونفي الشبيه والمثيل والكفء المستلزم لعدم الكمال المطلق ، ونفي إدراك الأبصار له وإحاطة العلم به المستلزمين لعدم كمال عظمته وكبريائه وسعته وإحاطته ، وكذلك نفي الحاجة والأكل
[ ص: 163 ] والشرب عنه سبحانه ; لاستلزام ذلك عدم كمال غناه ، وإذا كان نفى عن نفسه العدم أو ما يستلزم العدم علم أنه أحق بكل وجود وثبوت لا يستلزم عدما ولا نقصا .
وهذا هو الذي دل عليه صريح العقل ، فإنه سبحانه له الوجود الدائم القديم الواجب بنفسه الذي لم يستفده من غيره ، ووجود كل موجود مفتقر إليه ، ومتوقف في تحقيقه عليه ، والوجود كمال كله ، والعدم نقص كله ، فإن العدم كاسمه لا شيء ، فعاد النفي الصحيح إلى نفي المماثلة في الكمال ، وعاد الأمران إلى نفي النقص ، وحقيقة ذلك نفي العدم وما يستلزم نفي العدم ، فتأمل هل نفى القرآن والسنة عنه سبحانه سوى ذلك ؟ وتأمل هل ينفي العقل الصحيح غير ذلك ؟ وهو سبحانه قد وصف نفسه بأنه لم يكن له كفوا أحد بعد وصفه نفسه بأنه الصمد ، والصمد : السيد الذي كمل في سؤدده ، ولهذا كانت العرب تسمي أشرافها بهذا الاسم لكثرة الأوصاف المحمودة للمسمى به ، قال شاعرهم :
ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
فإن الصمد من تصمد نحوه القلوب بالرغبة والرهبة ، وذلك لكثرة خصال الخير فيه ، لهذا قال جمهور السلف ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الصمد : الذي كمل سؤدده ، وهو العالم الذي كمل علمه ، القادر الذي كملت قدرته ، الحليم الذي كمل حلمه ، الرحيم الذي كملت رحمته ، الجواد الذي كمل جوده ، ومن قال : إنه الذي لا جوف له فقوله لا يناقض هذا التفسير ، فإن ما لم يكن أحد كفوا له لما كان صمدا كاملا في صمدانيته ، فلو لم يكن له صفات كمال ونعوت جلال ، ولم يكن له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا يقوم به فعل ، ولا يفعل شيئا البتة ، ولا حياة له ولا إرادة ولا كلام ولا وجه ولا يد ، ولا هو فوق عرشه ولا يرضى ولا يغضب ولا يحب ولا يبغض ، ولا هو فاعل لما يريد ، ولا يرى ولا يمكن أن يرى ، ولا يشار إليه ولا يمكن أن يشار إليه ، لكان العدم المحض كفوا له ، فإن هذه الصفة منطبقة على المعدوم ، فلو كان ما يقوله المعطلون هو الحق لم يكن صمدا وكان العدم كفوا له .
وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) فأخبر أنه لا سمي له عقب قول العارفين به : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) .
[ ص: 164 ] فهذا الرب الذي له هذا الجند العظيم ولا يتنزلون إلا بأمره ، وهو المالك ما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك ، وهو الذي كملت قدرته وسلطانه وملكه وكمل علمه ، فلا ينسى شيئا أبدا ، وهو القائم بتدبير السماوات والأرض وما بينهما ، كما هو الخالق لذلك كله ، وهو ربه ومليكه ، فهذا الرب هو الذي لا سمي له لتفرده بكمال هذه الصفات والأفعال ، فأما من لا صفة له ولا فعل ولا حقائق لأسمائه ، إن هي إلا ألفاظ فارغة من المعاني ، فالعدم سمي له .
وكذلك قوله سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فإنه سبحانه ذكر ذلك عقب ذكر كمال أوصافه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .
فهذا الموصوف بهذه الصفات والأفعال والعلو والعظمة والحفظ والعزة والحكمة والملك والحمد والمغفرة والرحمة والكلام والمشيئة والولاية ، وإحياء الموتى والقدرة التامة الشاملة ، والحكم بين عباده ، وكونه فاطر السماوات والأرض وهو السميع البصير ، فهذا هو الذي ليس كمثله شيء لكثرة نعوته وأوصافه وأسمائه وأفعاله ، وثبوتها على وجه الكمال لا يماثله فيه شيء ، فالمثبت لصفات كماله هو الذي يصفه أنه ليس كمثله شيء ، وأما المعطل النافي لصفاته وحقائق أسمائه فإن وصفه بأنه كمثله شيء مجاز لا حقيقة له ، كما يقول في سائر أوصافه وأسمائه .
وَهَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29616الْمَعْقُولُ فِي فِطَرِ النَّاسِ ، فَإِذَا قَالُوا : فُلَانٌ عَدِيمُ الْمِثْلِ ، أَوْ قَدْ أَصْبَحَ وَلَا مِثْلَ لَهُ فِي النَّاسِ ، أَوْ مَا لَهُ شَبِيهٌ وَلَا مَنْ يُكَافِيهِ ، فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْمَجْدِ بِمَا لَا يَلْحَقُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، فَصَارَ وَاحِدًا فِي الْجِنْسِ لَا مَثِيلَ لَهُ ، وَلَوْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نَفْيِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَجْدِهِ لَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ غَايَةَ الذَّمِّ وَالنَّقْصِ لَهُ ، فَإِذَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ لَمْ يَشُكَّ عَاقِلٌ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ كَثْرَةَ أَوْصَافِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الَّتِي لَهَا حَقَائِقُ تُحْمَلُ عَلَيْهَا ، فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ لِمَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ وَلَا بَصَرَ وَلَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَتَكَلَّمُ ، وَلَا لَهُ وَجْهٌ ، وَلَا يَدٌ وَلَا قُوَّةٌ ، وَلَا فَضِيلَةٌ مِنَ الْفَضَائِلِ : إِنَّهُ لَا شَبَهَ لَهُ وَلَا مِثْلَ لَهُ ; وَأَنَّهُ وَحِيدُ دَهْرِهِ وَفَرِيدُ عَصْرِهِ وَنَسِيجُ وَحْدِهِ ؟ وَهَلْ فَطَرَ اللَّهُ الْأُمَمَ وَأَطْلَقَ أَلْسِنَتَهُمْ وَلُغَاتِهِمْ إِلَّا عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ ؟ وَهَلْ كَانَ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ إِلَّا بِأَوْصَافِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ؟ وَإِلَّا فَمَاذَا يُثْنِي عَلَيْهِ الْمُثْنُونَ ؟ وَلِأَيِّ شَيْءٍ يَقُولُ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347214لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الثَّنَاءَ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُحْصِيهِ لَوْ كَانَ بِالنَّفْيِ لَكَانَ هَؤُلَاءِ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُ وَأَشَدَّ إِحْصَاءً لَهُ ، فَإِنَّهُمْ نَفَوْا عَنْهُ حَقَائِقَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ نَفْيًا مُفَصَّلًا ، وَذَلِكَ يُحْصِيهِ الْمُحْصِي بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا تَعَبٍ ، وَقَدْ فَصَّلَهُ النُّفَاةُ وَأَحْصَوْهُ وَحَصَرُوهُ ، يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ مَا يُنَاقِضُ الْإِثْبَاتَ وَيُضَادُّ ثُبُوتَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ فَلَمْ يَبْقَ الْأَمْرُ عَدَمِيًّا أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ ، كَنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْحَيَاةِ وَالْقَيُّومِيَّةِ ، وَنَفْيِ الْعُزُوبِ وَالْخَفَاءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ ، وَنَفْيِ الظُّلْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْغِنَى وَالْعَدْلِ ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالشَّفِيعِ الْمُتَقَدِّمِ بِالشَّفَاعَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْغِنَى وَالْقَهْرِ وَالْمِلْكِ ، وَنَفْيِ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ وَالْكُفْءِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ ، وَنَفْيِ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ لَهُ وَإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ الْمُسْتَلْزِمَيْنِ لِعَدَمِ كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَسَعَتِهِ وَإِحَاطَتِهِ ، وَكَذَلِكَ نَفْيُ الْحَاجَةِ وَالْأَكْلِ
[ ص: 163 ] وَالشُّرْبِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ; لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ عَدَمَ كَمَالِ غِنَاهُ ، وَإِذَا كَانَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْعَدَمَ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِكُلِّ وُجُودٍ وَثُبُوتٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمًا وَلَا نَقْصًا .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْعَقْلِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْوُجُودُ الدَّائِمُ الْقَدِيمُ الْوَاجِبُ بِنَفَسِهِ الَّذِي لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَوُجُودُ كُلِّ مَوْجُودٍ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ ، وَمُتَوَقِّفٌ فِي تَحْقِيقِهِ عَلَيْهِ ، وَالْوُجُودُ كَمَالٌ كُلُّهُ ، وَالْعَدَمُ نَقْصٌ كُلُّهُ ، فَإِنَّ الْعَدَمَ كَاسْمِهِ لَا شَيْءَ ، فَعَادَ النَّفْيُ الصَّحِيحُ إِلَى نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَمَالِ ، وَعَادَ الْأَمْرَانِ إِلَى نَفْيِ النَّقْصِ ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُ الْعَدَمِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَدَمِ ، فَتَأَمَّلْ هَلْ نَفَى الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ سِوَى ذَلِكَ ؟ وَتَأَمَّلْ هَلْ يَنْفِي الْعَقْلُ الصَّحِيحُ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ وَهُوَ سُبْحَانُهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ بَعْدَ وَصْفِهِ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الصَّمَدُ ، وَالصَّمَدُ : السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا بِهَذَا الِاسْمِ لِكَثْرَةِ الْأَوْصَافِ الْمَحْمُودَةِ لِلْمُسَمَّى بِهِ ، قَالَ شَاعِرُهُمْ :
أَلَا بَكْرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدٍ بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدِ
فَإِنَّ الصَّمَدَ مَنْ تَصْمُدُ نَحْوَهُ الْقُلُوبُ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ خِصَالِ الْخَيْرِ فِيهِ ، لِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ ، مِنْهُمُ :
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الصَّمَدُ : الَّذِي كَمُلَ سُؤْدُدُهُ ، وَهُوَ الْعَالِمُ الَّذِي كَمُلَ عِلْمُهُ ، الْقَادِرُ الَّذِي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ ، الْحَلِيمُ الَّذِي كَمُلَ حِلْمُهُ ، الرَّحِيمُ الَّذِي كَمُلَتْ رَحْمَتُهُ ، الْجَوَادُ الَّذِي كَمُلَ جُودُهُ ، وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ فَقَوْلُهُ لَا يُنَاقِضُ هَذَا التَّفْسِيرَ ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كُفُوًا لَهُ لَمَا كَانَ صَمَدًا كَامِلًا فِي صَمَدَانِيَّتِهِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ وَنُعُوتُ جَلَالٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ ، وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا الْبَتَّةَ ، وَلَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا إِرَادَةَ وَلَا كَلَامَ وَلَا وَجْهَ وَلَا يَدَ ، وَلَا هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يُحِبُّ وَلَا يَبْغَضُ ، وَلَا هُوَ فَاعِلٌ لِمَا يُرِيدُ ، وَلَا يَرَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى ، وَلَا يُشَارَ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ ، لَكَانَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ كُفُوًا لَهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى الْمَعْدُومِ ، فَلَوْ كَانَ مَا يَقُولُهُ الْمُعَطِّلُونَ هُوَ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ صَمَدًا وَكَانَ الْعَدَمُ كُفُوًا لَهُ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا سَمِيَّ لَهُ عَقِبَ قَوْلِ الْعَارِفِينَ بِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=64وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) .
[ ص: 164 ] فَهَذَا الرَّبُّ الَّذِي لَهُ هَذَا الْجُنْدُ الْعَظِيمُ وَلَا يَتَنَزَّلُونَ إِلَّا بِأَمْرِهِ ، وَهُوَ الْمَالِكُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ، وَهُوَ الَّذِي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ وَمُلْكُهُ وَكَمُلَ عِلْمُهُ ، فَلَا يَنْسَى شَيْئًا أَبَدًا ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، كَمَا هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَهُوَ رَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، فَهَذَا الرَّبُّ هُوَ الَّذِي لَا سَمِيَّ لَهُ لِتَفَرُّدِهِ بِكَمَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ ، فَأَمَّا مَنْ لَا صِفَةَ لَهُ وَلَا فِعْلَ وَلَا حَقَائِقَ لِأَسْمَائِهِ ، إِنْ هِيَ إِلَّا أَلْفَاظٌ فَارِغَةٌ مِنَ الْمَعَانِي ، فَالْعَدَمُ سَمِيٌّ لَهُ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِ كَمَالِ أَوْصَافِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=6وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
فَهَذَا الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ وَالْحِفْظِ وَالْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمُلْكِ وَالْحَمْدِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْوِلَايَةِ ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الشَّامِلَةِ ، وَالْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَكَوْنِهِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لِكَثْرَةِ نُعُوتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ وَأَفْعَالِهِ ، وَثُبُوتِهَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يُمَاثِلُهُ فِيهِ شَيْءٌ ، فَالْمُثْبِتُ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ هُوَ الَّذِي يَصِفُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَأَمَّا الْمُعَطِّلُ النَّافِي لِصِفَاتِهِ وَحَقَائِقِ أَسْمَائِهِ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، كَمَا يَقُولُ فِي سَائِرِ أَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ .