والكلام عليه من وجوه : أحدها : أن تعلم أن هذا الرجل وشيخه
أبا علي من كبار أهل البدع والاعتزال المنكرين لكلام الله تعالى وتكليمه ، فلا يكلم أحدا البتة ، ولا يحاسب عباده يوم القيامة بنفسه وكلامه ، وأن القرآن والكتب السماوية مخلوق من
[ ص: 341 ] بعض مخلوقاته ، وليس له صفة تقوم له ، فلا علم له عندهم ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ، وأنه لا يقدر على خلق أفعال العباد ، وأنها واقعة منهم بغير اختياره ومشيئته ، وأنه شاء منهم خلافها ، وشاءوا هم خلاف ما شاء ، فغلبت مشيئتهم ، وكان ما شاءوه هم دون ما شاء هو ، فيكون ما لا يشاء ، ويشاء ما لا يكون ، وهو خالق عند هذا الضال المضل وعالم مجازا لا حقيقة ، والمجاز يصح نفيه ، فهو إذا عنده لا خالق ولا عالم إلا على وجه المجاز .
فمن هذا خطؤه وضلاله في أصل دينه ومعتقده في ربه وإلهه ، فما الظن بخطئه وضلاله في ألفاظ القرآن ولغة العرب ، فحقيق بمن هذا مبلغ علمه ونهاية فهمه أن يدعي أن أكثر اللغة مجاز ويأتي بذلك الهذيان ، ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=30531سنة الله جارية أن يفضح من استهزأ بحزبه وجنده ، وكان الرجل وشيخه في زمن قوة شوكة
المعتزلة ، وكانت الدولة دولة رفض واعتزال ، وكان السلطان عضد الدولة
ابن بويه ، وله صنف
أبو علي ( الإيضاح ) ، وكان الوزير
إسماعيل بن عباد معتزليا ، وقاضي القضاة
عبد الجبار بن أحمد معتزليا ، ( وأول ) من عرف منه تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز هم
المعتزلة والجهمية .
وهذا الوجه مقدمة بين يدي رد ما في كلامه من باطل ، فإنه يشتمل على حق وباطل .
الوجه الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713ما ادعى فيه أنه مجاز دل على المراد منه مطلقا من غير توقفه على قرينة ، وهذا حد الحقيقة عندهم ، فإن المعنى يسبق إلى الفهم من هذا اللفظ بمجرده ، ولا يصح نفيه ، ولا يتوقف على قرينة ، فكيف يكون مجازا ، فإن قال : بل تركيبه مع المسند إليه واتصاله بالمفعول والحال والتمييز والتوابع والاستثناء ونحوها من القرائن التي تدل على المعنى ، قيل له : فلا يخلو كلام مفيد من هذا التركيب البتة ، أفنقول إن الجميع مجاز ، أو النصف مجاز والنصف حقيقة ، فإن قلت في الجميع مجاز ، كنت مبطلا ، رافعا للحقيقة بالكلية ، ومدع على خطاب الله ورسوله وخطاب الأمم أنه كله مجاز لا حقيقة ، ويكفيك هذا جهلا وكذبا ، وإن قلت : بل البعض حقيقة والبعض مجاز قيل لك : فما ضابط ذلك ؟ ولا يمكنك أن تأتي بضابط أبدا ، وقد أغلقت على نفسك باب الحقيقة بالكلية ، فإن كل لفظ تقر بأنه حقيقة يلزمك فيه نظير ما ادعيت أنه مجاز ، ولا شيء أبلغ من خلق الله تعالى وعلم الله ، والله خالق كل شيء ، وقد ادعيت أنه مجاز لا حقيقة ، ولا شيء أظهر من طلوع الشمس على الخلائق عيانا جهرة ، فإذا
[ ص: 342 ] رآها الناس وقالوا : طلعت الشمس ، وكان هذا عندك مجازا على أن الشمس لم يحصل منها جميع أفراد طلوع الماضي والحاضر والآتي في آن واحد ، وذلك عندك هو الحقيقة ، فإذا كان هذا كله مجازا عندك فما الظن بغير ذلك من الألفاظ .
الوجه الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713الفعل لا عموم له ولا دلالة له على وحدة ولا كثرة ولا عموم ولا خصوص ، بل هو دال على القدر المشترك من ذلك كله وهو مطلق الحقيقة ، فإذا أرادوا تقييده بشيء من ذلك أتوا بما يدل على مرادهم .
فيأتون في المرأة بتاء التأنيث نحو ضربت ، وفي المرأتين بلفظ التثنية ، وفي الجمع بما يدل على ذلك ، والجمع حقيقة ، فدعواك إن ضربت موضوع لجميع أفراد الضرب الموهومة التي لا تدخل تحت الحصر كذب على اللغة ، فإن العرب لم تضع الفعل كذلك البتة ولا أفادته به ولا دلت عليه ، وإنما وضعت الفعل بالإخبار عن فعل صدر عن الفاعل ويصدر منه أو يطلبه ، يوضحه :
الوجه الرابع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713دلالة الماضي والمضارع والأمر على المصدر واحدة ، فلو كان ( ضربت ) موضوعا لجميع أفراد الضرب كلها من أولها إلى آخرها لكان الضرب كذلك ، فيكون موضوعة لفظة اضرب أوقع كل فرد من أفراد الضرب كلها من أولها إلى آخرها الموهومة في جميع الماضي والحاضر والمستقبل إلى ما لا نهاية له ، وأي قرينة على اللغة وأوضاعها أعظم من ذلك ؟ وهذا أمر يقطع العاقل بأن هذا لم يخطر على بال المتكلم ولا السامع ، ولا قصده الواضع أصلا ، ومن نسب الأمر به إلى ذلك فقد نسبه إلى أعظم الجهل والى العجز عن التكلم بالحقيقة ، فإنه لا سبيل له عند هذا القائل إلى التخلص من المجاز والتكلم بالحقيقة البتة ، فإن غاية ما يقدر أن يقال : أوقع فردا من أفراد الضرب على جزء من المضروب ، ومع هذا فلم يخلص عنده لأن أوقع فعل وهو دال عنده على جميع أنواع الإيقاع في الماضي والحاضر والأمر ، يوضحه :
الوجه الخامس : أن هذا يستلزم تعجيز الخالق عن التكلم بالحقيقة أمرا أو خبرا ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713أوامره سبحانه كلها بالأفعال وإخباره عن نفسه وخلقه عامة بالأفعال ، وقد صرح هذا بأنها مجاز ، وقد عجز الله بأن يأمر بلفظ الحقيقة أو يخبر عن نفسه أو عن أحد من خلقه بلفظ حقيقة ، فإن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وأقيموا الصلاة ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278اتقوا الله ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=9آمنوا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93واسمعوا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218وجاهدوا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=200اصبروا ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203واذكروا الله ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40فارهبون )
[ ص: 343 ] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3واخشون ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني ) وأمثال ذلك عندهم مجاز فلو أراد أن يأمر بلفظ الحقيقة أو يخبر عن نفسه أو عن فعله أو عن فعل خلقه بها ، ماذا يقول سبحانه حتى يكون متكلما بالحقيقة ، وكذلك قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل ياأيها الكافرون ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=1قل أعوذ برب الفلق ) و أضعاف ذلك كله مجاز ، وكذلك في جانب الخبر نحوه (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وإذ قال ربك للملائكة ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42قالت الملائكة ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وعلم آدم الأسماء كلها ) وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34إلا إبليس أبى واستكبر ) وأكثر من مائة ألف فعل ومائة ألف خبر ، فإذا كانت هذه مجازا عندك فكيف يصنع من أراد من يتكلم بالحقيقة .
الوجه السادس : قوله : ويدل على انتظامه لجميع جنس المصدر أنك تعلمه في جميع أجزاء ذلك الفعل نحو قمت قومة وقومتين ومائة قومة ، وقياما حسنا وقبيحا .
وهذا من أعظم ما يبطل قوله ، فإن العرب وضعته مطلقا غير عام بل صالحا للعمل في الواحد والاثنين ، والكثير والقليل ، وهو في كل ذلك حقيقة لم يخرج عن موضوعه ويستعمل في غيره ، والعجب أنك صرحت في آخر كلامك بأنه موضوع لصلاحيته لذلك كله ، فدل على أنه ليس بموضوع للعموم ، فبطل قولك : إنه موضوع لجميع الجنس ، بقولك : إنه موضوع لأن يكون صالحا للواحد والاثنين والقليل والكثير ، وهذا هو الحق وهو ينفي المجاز ويبين أنه حقيقة في الجميع ، وهذا الذي يعقله بنو آدم .
وأما استدلالك على ذلك بأعمال الفعل فيه فمن أعجب العجب فإنه يعمل في المرة الواحدة والمرتين والمرات والمطلق والعام ، فإن كان إعماله في العام ، نحو : يظنان كل الظن ، وبابه دليل على أنه موضوع له ، فهل كان إعماله في الخاص دليلا على أنه موضوع له ، فما خرج عن موضوعه حيث أعمل ، وهذا ظاهر بحمد الله .
الوجه السابع : قول
أبي علي : إن قام زيد ، بمنزلة : خرجت فإذا الأسد ، تعريفه هنا تعريف جنس ، كقولك الأسد أشد من الذئب ، وأنك لا تريد خرجت وجميع الأسد التي يتناولها الوهم على الباب ، وإنما تريد فإذا واحد من هذا الجنس بالباب ، فوضعت لفظ الجماعة على الواحد مجازا خطأ منه ووهم ظاهر ينقض آخر كلامه فيه أوله ، فإنه صرح أولا بأن التعريف المذكور هنا تعريف الجنس ، وهذا حق .
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28713التعريف ثلاثة أنواع تعريف الشخص ، وتعريف الجنس ، وتعريف العموم ، وليس المراد تعريف الشخص ولا تعريف العام قطعا ، وكل واحد من هذه الأنواع حقيقة فيما استعمل فيه ، وليس
[ ص: 344 ] لفظ الأسد في قولك خرجت فإذا الأسد لفظ جماعة وضع على الواحد حتى يكون مجازا فإن اسم الجنس المعرف باللام لم يوضع للجماعة حتى يكون استعماله في الواحد المطلق مجازا ، ولو كان استعماله في التعريف المطلق مجازا لكان استعماله في التعريف الشخصي أولى بالمجاز لأنه أبعد عن العموم من تعريف الجنس ، فيكون كل اسم معرف باللام التي للعهد وللجنس مجازا وهذا لا يقوله من يدري ما يقول يوضحه :
الوجه الثامن : أن هذا قلب للحقائق ، فإن الأصل في اللام أن تفيد تعريف الماهية ، فالعهد بها أولى من الجنس لكمال التعريف به ، والجنس أولى بها من العموم لأنها تفيد الماهية الذهنية .
فهي في الحقيقة للعهد الذهني ، فإنه نوعان : شخصي وجنسي ، فالقائل : اشتر اللحم واستق الماء ، يريد باللام تعريف الجنس المعهود بينه وبين المخاطب ، كما أن القائل إذا قال : قال الرجل ، ودخلت البيت ، يريد تعريف الشخص المعهود بينه وبين المخاطب ، فمن ادعى أنهم نقلوا هذا اللفظ من الجمع إلى الواحد فهو مخطئ ، يوضحه :
الوجه التاسع : وهو أن أكثر الناس لا يرون
nindex.php?page=treesubj&link=28713المفرد المعرف باللام من ألفاظ العموم بحال ، وإنما يثبتون العموم للجمع المعرف باللام ، سواء كان جمع قلة نحو المسلمين والمسلمات ، أو جمع كثرة نحو الرجال والعباد ، فالأسد بمنزلة الرجل ، وإذا كان ليس من ألفاظ العموم فلم يوضع في غير موضعه ، ولا استعمل إلا في موضوعه ، ومن يجعله للعموم من أهل الأصول والفقهاء يقولون : إنما يكون للعموم حيث يصلح أن تخلف اللام فيه كل ، نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إن الإنسان لفي خسر ) ونحو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا ) ولهذا صح الاستثناء منه ، وذلك حيث لا يكون عهد القرينة والسياق دالا على إرادة جميع أفراد الجنس .
وهذا منتف في قوله ( خرجت فإذا الأسد ) فهو إنما يدل على العموم بقرينة ، كما يدل على العهد بقرينة ، فدعوى المجاز في بعض موارده دون بعض ، تحكم بارد لا معنى له ، ودعوى المجاز في جميعها باطل ، فلم يبق إلا أنه حقيقة حيث استعمل ، وهو الصواب .
الوجه العاشر : قوله : ( خرجت فإذا الأسد ) اتساع وتوكيد وتشبيه ، أما الاتساع فإنه وضع اللفظة المعتادة للجماعة على الواحد ، وأما التوكيد فلأنه عظم قدر ذلك الواحد بأن جاء باللفظة على اللفظ المعتاد للجماعة ، وأما التشبيه فلأنه شبه الواحد بالجماعة .
[ ص: 345 ] ثم قال : وإذا كان كذلك فمثله قعد جعفر وانطلق محمد ، وجاء الليل وانصرم النهار خطأ من وجهين : أحدهما : أنه مبني على أن الأسد دل على الجمع ، وأنه تجوز فاستعمله في الواحد ، وقد عرفت ما فيه ، الثاني : أنه لو صح له ذلك لم يكن قعد جعفر ، وانطلق محمد ، وجاء الليل مثله ، فإن هذه الأفعال لا تدل على قعود وانطلاق ومجيء عام لكل فرد البتة ، بحيث يكون استعمالها فيمن وجد منه بعض ذلك الجنس مجازا ، فليس ثم دلالتان عامة وخاصة بخلاف الأسد ، فإنه يمكن تقدير دلالته عامة وخاصة له ، فإذا استعمل في أحدهما يكون استعماله له في غير مدلوله الآخر ، فكيف يمكن مثل ذلك في الأفعال ؟ فهل يعقل ذو تحصيل لقام وقعد وانطلق دلالتين قط عامة وخاصة ، وليس العجب من تسويد الورق بهذا الهذيان ، وإنما العجب من أذهان تقبله وتستحسنه .
الوجه الحادي عشر : قوله : وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28714_29625_28713أفعال القديم نحو : خلق الله السماوات والأرض وما كان مثله .
فيقال : الله أكبر كبيرا ، وسبحان الله عما يقوله الجاحدون لخلقه وربوبيته ، وتعالى علوا كبيرا ، وقبح الله قولا يتضمن أن يكون خالقا مجازا لا حقيقة ، وأن يكون خلق الله السماوات والأرض مجازا لا حقيقة ، ومن هنا قال السلف الذين بلغتهم مقالة هؤلاء إنهم شر قولا من
اليهود والنصارى ، وقالوا : إنا لنحكي كلام
اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام هؤلاء ، وقالوا : إنهم مليشون معطلون نافون للمعبود عز وجل " مليشون " أي : يصفونه بصفة لا شيء .
الوجه الثاني عشر : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713المجاز لا بد أن يكون له استعمال في الحقيقة أو وضع سابق ، وإن لم يستعمل عند القائلين به ، فيكون للفظ جهتان : جهة حقيقة ، وجهة مجاز ، كالأسد والحمار ونحو ذلك ، يتجوز به من حقيقته التي وضع لها أولا إلى مجازه الذي استعمل فيه ثانيا لعلاقة بينهما ، فأين سبق لقولنا خلق الله السماوات والأرض ، وعلم الله ما تكسب كل نفس استعماله في غير هذا المفهوم ليكون إطلاقه عليه بطريق المجاز ، فلم يستعمل خلق إلا في موضوعه الأصلي ولا اسم الله إلا في موضوعه ، ولا السماوات والأرض إلا في موضوعهما ، فإما أن يكون هذا القائل يرى المجاز في النسبة كما يختاره جماعة من الناس ، أو ليس ممن يرى المجاز في النسبة ، فإن لم ير في النسبة مجازا ، فالمفردات مستعملة في موضوعاتها ، ولا مجاز في النسبة فكيف
[ ص: 346 ] يكون خلق الله مجازا ، أو إن كان ممن يرى المجاز في النسبة ، كأنبت الماء البقل ، فأضاف الإنبات إلى الماء وليس له في الحقيقة ، فهذه النسبة في قولنا خلق الله أصدق النسب الحقيقية التي إن كانت مجازا لم يتصور أن يكون في الكلام نسبة حقيقة البتة ، لا في القديم ولا في الحديث ، وهذا من أعظم الضلال .
وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَشَيْخَهُ
أَبَا عَلِيٍّ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالِاعْتِزَالِ الْمُنْكِرِينَ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْلِيمِهِ ، فَلَا يُكَلِّمُ أَحَدًا الْبَتَّةَ ، وَلَا يُحَاسِبُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنَفْسِهِ وَكَلَامِهِ ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ وَالْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ مَخْلُوقٌ مِنْ
[ ص: 341 ] بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ صِفَةٌ تَقُومُ لَهُ ، فَلَا عِلْمَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا إِرَادَةَ وَلَا سَمْعَ وَلَا بَصَرَ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ ، وَأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، وَأَنَّهُ شَاءَ مِنْهُمْ خِلَافَهَا ، وَشَاءُوا هُمْ خِلَافَ مَا شَاءَ ، فَغَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمْ ، وَكَانَ مَا شَاءُوهُ هُمْ دُونَ مَا شَاءَ هُوَ ، فَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ ، وَيَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ ، وَهُوَ خَالِقٌ عِنْدَ هَذَا الضَّالِّ الْمُضِلِّ وَعَالِمٌ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ، وَالْمَجَازُ يَصِحُّ نَفْيُهُ ، فَهُوَ إِذًا عِنْدَهُ لَا خَالِقٌ وَلَا عَالِمٌ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ .
فَمِنْ هَذَا خَطَؤُهُ وَضَلَالُهُ فِي أَصْلِ دِينِهِ وَمُعْتَقَدِهِ فِي رَبِّهِ وَإِلَهِهِ ، فَمَا الظَّنُّ بِخَطَئِهِ وَضَلَالِهِ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ ، فَحَقِيقٌ بِمَنْ هَذَا مَبْلَغُ عِلْمِهِ وَنِهَايَةُ فَهْمِهِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَةِ مَجَازٌ وَيَأْتِي بِذَلِكَ الْهَذَيَانِ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30531سُنَّةَ اللَّهِ جَارِيَةٌ أَنْ يَفْضَحَ مَنِ اسْتَهْزَأَ بِحِزْبِهِ وَجُنْدِهِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ وَشَيْخُهُ فِي زَمَنِ قُوَّةِ شَوْكَةِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ دَوْلَةَ رَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ ، وَكَانَ السُّلْطَانُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ
ابْنُ بُوَيْهِ ، وَلَهُ صَنَّفَ
أَبُو عَلِيٍّ ( الْإِيضَاحَ ) ، وَكَانَ الْوَزِيرُ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّادٍ مُعْتَزِلِيًّا ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ
عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ مُعْتَزِلِيًّا ، ( وَأَوَّلُ ) مَنْ عُرِفَ مِنْهُ تَقْسِيمُ الْكَلَامِ إِلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ هُمُ
الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ .
وَهَذَا الْوَجْهُ مُقَدِّمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ رَدِّ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ بَاطِلٍ ، فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713مَا ادَّعَى فِيهِ أَنَّهُ مَجَازٌ دَلَّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفِهِ عَلَى قَرِينَةٍ ، وَهَذَا حَدُّ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ ، فَإِنَّ الْمَعْنَى يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِهِ ، وَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَجَازًا ، فَإِنْ قَالَ : بَلْ تَرْكِيبُهُ مَعَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَاتِّصَالِهِ بِالْمَفْعُولِ وَالْحَالِ وَالتَّمْيِيزِ وَالتَّوَابِعِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى ، قِيلَ لَهُ : فَلَا يَخْلُو كَلَامٌ مُفِيدٌ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ الْبَتَّةَ ، أَفَنُقُولُ إِنَّ الْجَمِيعَ مَجَازٌ ، أَوِ النِّصْفَ مَجَازٌ وَالنِّصْفَ حَقِيقَةٌ ، فَإِنْ قُلْتَ فِي الْجَمِيعِ مَجَازٌ ، كُنْتَ مُبْطِلًا ، رَافِعًا لِلْحَقِيقَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَمُدَّعٍ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخِطَابِ الْأُمَمِ أَنَّهُ كُلُّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ ، وَيَكْفِيكَ هَذَا جَهْلًا وَكَذِبًا ، وَإِنْ قُلْتَ : بَلِ الْبَعْضُ حَقِيقَةٌ وَالْبَعْضِ مَجَازٌ قِيلَ لَكَ : فَمَا ضَابِطُ ذَلِكَ ؟ وَلَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَأْتِيَ بِضَابِطٍ أَبَدًا ، وَقَدْ أَغْلَقْتَ عَلَى نَفْسِكَ بَابَ الْحَقِيقَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَإِنَّ كُلَّ لَفْظٍ تُقِرُّ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ يَلْزَمُكَ فِيهِ نَظِيرُ مَا ادَّعَيْتَ أَنَّهُ مَجَازٌ ، وَلَا شَيْءَ أَبْلَغُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَقَدِ ادَّعَيْتَ أَنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ ، وَلَا شَيْءَ أَظْهَرُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى الْخَلَائِقِ عِيَانًا جَهْرَةً ، فَإِذَا
[ ص: 342 ] رَآهَا النَّاسُ وَقَالُوا : طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَكَ مَجَازًا عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا جَمِيعُ أَفْرَادِ طُلُوعِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْآتِي فِي آنٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ عِنْدَكَ هُوَ الْحَقِيقَةُ ، فَإِذَا كَانَ هَذَا كُلُّهُ مَجَازًا عِنْدَكَ فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وَحْدَةٍ وَلَا كَثْرَةٍ وَلَا عُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ ، بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْحَقِيقَةِ ، فَإِذَا أَرَادُوا تَقْيِيدَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَتَوْا بِمَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِمْ .
فَيَأْتُونَ فِي الْمَرْأَةِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ نَحْوَ ضَرَبَتْ ، وَفِي الْمَرْأَتَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ ، وَفِي الْجَمْعِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَالْجَمْعُ حَقِيقَةٌ ، فَدَعَوَاكَ إِنَّ ضَرَبَتْ مَوْضُوعٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الضَّرْبِ الْمَوْهُومَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ كَذِبٌ عَلَى اللُّغَةِ ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعِ الْفِعْلَ كَذَلِكَ الْبَتَّةَ وَلَا أَفَادَتْهُ بِهِ وَلَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا وَضَعَتِ الْفِعْلَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلٍ صَدَرَ عَنِ الْفَاعِلِ وَيَصْدُرُ مِنْهُ أَوْ يَطْلُبُهُ ، يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713دَلَالَةَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالْأَمْرِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَاحِدَةٌ ، فَلَوْ كَانَ ( ضَرَبَتْ ) مَوْضُوعًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الضَّرْبِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا لَكَانَ الضَّرْبُ كَذَلِكَ ، فَيَكُونُ مَوْضُوعَةُ لَفْظَةِ اضْرِبْ أَوْقَعَ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الضَّرْبِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا الْمَوْهُومَةِ فِي جَمِيعِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَأَيُّ قَرِينَةٍ عَلَى اللُّغَةِ وَأَوْضَاعِهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَهَذَا أَمْرٌ يَقْطَعُ الْعَاقِلُ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا السَّامِعِ ، وَلَا قَصَدَهَ الْوَاضِعُ أَصْلًا ، وَمَنْ نَسَبَ الْأَمْرَ بِهِ إِلَى ذَلِكَ فَقَدْ نَسَبَهُ إِلَى أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَالَى الْعَجْزِ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِيقَةِ ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْمَجَازِ وَالتَّكَلُّمِ بِالْحَقِيقَةِ الْبَتَّةَ ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَقْدِرُ أَنْ يُقَالَ : أَوْقَعَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الضَّرْبِ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْمَضْرُوبِ ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَخْلُصْ عِنْدَهُ لِأَنَّ أَوْقَعَ فِعْلٌ وَهُوَ دَالٌّ عِنْدَهُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِيقَاعِ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْأَمْرِ ، يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ تَعْجِيزَ الْخَالِقِ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِيقَةِ أَمْرًا أَوْ خَبَرًا ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713أَوَامِرَهُ سُبْحَانَهُ كُلَّهَا بِالْأَفْعَالِ وَإِخْبَارَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَخَلْقِهِ عَامَّةٌ بِالْأَفْعَالِ ، وَقَدْ صَرَّحَ هَذَا بِأَنَّهَا مَجَازٌ ، وَقَدْ عَجَزَ اللَّهُ بِأَنْ يَأْمُرَ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ أَوْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ بِلَفْظِ حَقِيقَةٍ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278اتَّقُوا اللَّهَ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=9آمَنُوا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وَاسْمَعُوا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218وَجَاهَدُوا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=200اصْبِرُوا ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203وَاذْكُرُوا اللَّهَ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40فَارْهَبُونِ )
[ ص: 343 ] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3وَاخْشَوْنِ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي ) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَجَازٌ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ أَوْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ فِعْلِهِ أَوْ عَنْ فِعْلِ خَلْقِهِ بِهَا ، مَاذَا يَقُولُ سُبْحَانَهُ حَتَّى يَكُونَ مُتَكَلِّمًا بِالْحَقِيقَةِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=1قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وَ أَضْعَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَجَازٌ ، وَكَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْخَبَرِ نَحْوَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=42قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ) وَأَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ فِعْلٍ وَمِائَةِ أَلْفِ خَبَرٍ ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ مَجَازًا عِنْدَكَ فَكَيْفَ يَصْنَعُ مَنْ أَرَادَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْحَقِيقَةِ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : قَوْلُهُ : وَيَدُلُّ عَلَى انْتِظَامِهِ لِجَمِيعِ جِنْسِ الْمَصْدَرِ أَنَّكَ تَعْلَمُهُ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْفِعْلِ نَحْوَ قُمْتُ قَوْمَةً وَقَوْمَتَيْنِ وَمِائَةَ قَوْمَةٍ ، وَقِيَامًا حَسَنًا وَقَبِيحًا .
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُبْطِلُ قَوْلَهُ ، فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْهُ مُطْلَقًا غَيْرَ عَامٍّ بَلْ صَالِحًا لِلْعَمَلِ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ، وَالْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ ، وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَيُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ ، وَالْعَجَبُ أَنَّكَ صَرَّحْتَ فِي آخِرِ كَلَامِكَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِصَلَاحِيَتِهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلْعُمُومِ ، فَبَطَلَ قَوْلُكَ : إِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجَمِيعِ الْجِنْسِ ، بِقَوْلِكَ : إِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ يَنْفِي الْمَجَازَ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْجَمِيعِ ، وَهَذَا الَّذِي يَعْقِلُهُ بَنُو آدَمَ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكَ عَلَى ذَلِكَ بِأَعْمَالِ الْفِعْلِ فِيهِ فَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَرَّتَيْنِ وَالْمَرَّاتِ وَالْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ ، فَإِنْ كَانَ إِعْمَالُهُ فِي الْعَامِّ ، نَحْوُ : يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ ، وَبَابُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ ، فَهَلْ كَانَ إِعْمَالُهُ فِي الْخَاصِّ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ ، فَمَا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ حَيْثُ أُعْمِلَ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : قَوْلُ
أَبِي عَلِيٍّ : إِنْ قَامَ زَيْدٌ ، بِمَنْزِلَةِ : خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ ، تَعْرِيفُهُ هُنَا تَعْرِيفُ جِنْسٍ ، كَقَوْلِكَ الْأَسَدُ أَشَدُّ مِنَ الذِّئْبِ ، وَأَنَّكَ لَا تُرِيدُ خَرَجْتُ وَجَمِيعُ الْأَسَدِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا الْوَهْمُ عَلَى الْبَابِ ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ فَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِالْبَابِ ، فَوَضَعْتَ لَفْظَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا خَطَأً مِنْهُ وَوَهْمٌ ظَاهِرٌ يَنْقُضُ آخِرُ كَلَامِهِ فِيهِ أَوَّلَهُ ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ هُنَا تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، وَهَذَا حَقٌّ .
فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28713التَّعْرِيفَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَعْرِيفُ الشَّخْصِ ، وَتَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، وَتَعْرِيفُ الْعُمُومِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْرِيفَ الشَّخْصِ وَلَا تَعْرِيفَ الْعَامِّ قَطْعًا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ حَقِيقَةٌ فِيمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ ، وَلَيْسَ
[ ص: 344 ] لَفْظُ الْأَسَدِ فِي قَوْلِكَ خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ لَفْظُ جَمَاعَةٍ وُضِعَ عَلَى الْوَاحِدِ حَتَّى يَكُونَ مَجَازًا فَإِنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ لَمْ يُوضَعْ لِلْجَمَاعَةِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاحِدِ الْمُطْلَقِ مَجَازًا ، وَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ الْمُطْلَقِ مَجَازًا لَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ الشَّخْصِيِّ أَوْلَى بِالْمَجَازِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الْعُمُومِ مِنْ تَعْرِيفِ الْجِنْسِ ، فَيَكُونُ كُلُّ اسْمٍ مُعَرَّفٍ بِاللَّامِ الَّتِي لِلْعَهْدِ وَلِلْجِنْسِ مَجَازًا وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ يَدْرِي مَا يَقُولُ يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّ هَذَا قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّامِ أَنْ تُفِيدَ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ ، فَالْعَهْدُ بِهَا أَوْلَى مِنَ الْجِنْسِ لِكَمَالِ التَّعْرِيفِ بِهِ ، وَالْجِنْسُ أَوْلَى بِهَا مِنَ الْعُمُومِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمَاهِيَّةَ الذِّهْنِيَّةَ .
فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ ، فَإِنَّهُ نَوْعَانِ : شَخْصِيٌّ وَجِنْسِيٌّ ، فَالْقَائِلُ : اشْتَرِ اللَّحْمَ وَاسْتَقِ الْمَاءَ ، يُرِيدُ بِاللَّامِ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ الْمَعْهُودِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَاطَبِ ، كَمَا أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ : قَالَ الرَّجُلُ ، وَدَخَلْتُ الْبَيْتَ ، يُرِيدُ تَعْرِيفَ الشَّخْصِ الْمَعْهُودِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَاطَبِ ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ مِنَ الْجَمْعِ إِلَى الْوَاحِدِ فَهُوَ مُخْطِئٌ ، يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ التَّاسِعُ : وَهُوَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَرَوْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28713الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ بِحَالٍ ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُونَ الْعُمُومَ لِلْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ ، سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ نَحْوِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، أَوْ جَمْعَ كَثْرَةٍ نَحْوِ الرِّجَالِ وَالْعِبَادِ ، فَالْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ ، وَإِذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَلَمْ يُوضَعْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَلَا اسْتُعْمِلَ إِلَّا فِي مَوْضُوعِهِ ، وَمَنْ يَجْعَلُهُ لِلْعُمُومِ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ : إِنَّمَا يَكُونُ لِلْعُمُومِ حَيْثُ يَصْلُحُ أَنْ تَخْلُفَ اللَّامُ فِيهِ كُلٌّ ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) وَنَحْوَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ) وَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَهْدُ الْقَرِينَةِ وَالسِّيَاقِ دَالًّا عَلَى إِرَادَةِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ .
وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي قَوْلِهِ ( خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ ) فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ بِقَرِينَةٍ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَهْدِ بِقَرِينَةٍ ، فَدَعْوَى الْمَجَازِ فِي بَعْضِ مَوَارِدِهِ دُونَ بَعْضٍ ، تَحَكُّمٌ بَارِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَدَعْوَى الْمَجَازِ فِي جَمِيعِهَا بَاطِلٌ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ حَيْثُ اسْتُعْمِلَ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ : قَوْلُهُ : ( خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ ) اتِّسَاعٌ وَتَوْكِيدٌ وَتَشْبِيهٌ ، أَمَّا الِاتِّسَاعُ فَإِنَّهُ وَضْعُ اللَّفْظَةِ الْمُعْتَادَةِ لِلْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ ، وَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَلِأَنَّهُ عَظَّمَ قَدْرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ بِأَنْ جَاءَ بِاللَّفْظَةِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ لِلْجَمَاعَةِ ، وَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَلِأَنَّهُ شَبَّهَ الْوَاحِدَ بِالْجَمَاعَةِ .
[ ص: 345 ] ثُمَّ قَالَ : وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِثْلُهُ قَعَدَ جَعْفَرٌ وَانْطَلَقَ مُحَمَّدٌ ، وَجَاءَ اللَّيْلُ وَانْصَرَمَ النَّهَارُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَسَدَ دَلَّ عَلَى الْجَمْعِ ، وَأَنَّهُ تَجَوَّزَ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْوَاحِدِ ، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ ، الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ جَعْفَرٌ ، وَانْطَلَقَ مُحَمَّدٌ ، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِثْلَهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَدُلُّ عَلَى قُعُودٍ وَانْطِلَاقٍ وَمَجِيءٍ عَامٍّ لِكُلِّ فَرْدٍ الْبَتَّةَ ، بِحَيْثُ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَنْ وَجَدَ مِنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَجَازًا ، فَلَيْسَ ثَمَّ دَلَالَتَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ بِخِلَافِ الْأَسَدِ ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ دَلَالَتِهِ عَامَّةً وَخَاصَّةً لَهُ ، فَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ فِي غَيْرِ مَدْلُولِهِ الْآخَرِ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ ؟ فَهَلْ يَعْقِلُ ذُو تَحْصِيلٍ لِقَامَ وَقَعَدَ وَانْطَلَقَ دَلَالَتَيْنِ قَطُّ عَامَّةً وَخَاصَّةً ، وَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْ تَسْوِيدِ الْوَرَقِ بِهَذَا الْهَذَيَانِ ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ أَذْهَانٍ تَقْبَلُهُ وَتَسْتَحْسِنُهُ .
الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ : قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28714_29625_28713أَفْعَالُ الْقَدِيمِ نَحْوَ : خَلْقِ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ .
فَيُقَالُ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَقُولُهُ الْجَاحِدُونَ لِخَلْقِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ ، وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَقَبَّحَ اللَّهُ قَوْلًا يَتَضَمَّنُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ، وَأَنْ يَكُونَ خَلْقُ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ، وَمِنْ هُنَا قَالَ السَّلَفُ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ مَقَالَةُ هَؤُلَاءِ إِنَّهُمْ شَرٌّ قَوْلًا مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَقَالُوا : إِنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ هَؤُلَاءِ ، وَقَالُوا : إِنَّهُمْ مَلِيشُونَ مُعَطِّلُونَ نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ عَزَّ وَجَلَّ " مَلِيشُونَ " أَيْ : يَصِفُونَهُ بِصِفَةِ لَا شَيْءَ .
الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28713الْمَجَازَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ وَضْعٌ سَابِقٌ ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ ، فَيَكُونُ لِلَّفْظِ جِهَتَانِ : جِهَةٌ حَقِيقَةٌ ، وَجِهَةٌ مَجَازٌ ، كَالْأَسَدِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، يُتَجَوَّزُ بِهِ مِنْ حَقِيقَتِهِ الَّتِي وُضِعَ لَهَا أَوَّلًا إِلَى مَجَازِهِ الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِيهِ ثَانِيًا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا ، فَأَيْنَ سَبَقَ لِقَوْلِنَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَعَلِمَ اللَّهُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسِ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَفْهُومِ لِيَكُونَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ، فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ خَلَقَ إِلَّا فِي مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ وَلَا اسْمُ اللَّهِ إِلَّا فِي مَوْضُوعِهِ ، وَلَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا فِي مَوْضُوعِهِمَا ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَائِلُ يَرَى الْمَجَازَ فِي النِّسْبَةِ كَمَا يَخْتَارُهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ ، أَوْ لَيْسَ مِمَّنْ يَرَى الْمَجَازَ فِي النِّسْبَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَرَ فِي النِّسْبَةِ مَجَازًا ، فَالْمُفْرَدَاتُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَوْضُوعَاتِهَا ، وَلَا مَجَازَ فِي النِّسْبَةِ فَكَيْفَ
[ ص: 346 ] يَكُونُ خَلْقُ اللَّهِ مَجَازًا ، أَوْ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْمَجَازَ فِي النِّسْبَةِ ، كَأَنْبَتَ الْمَاءُ الْبَقْلَ ، فَأَضَافَ الْإِنْبَاتَ إِلَى الْمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ ، فَهَذِهِ النِّسْبَةُ فِي قَوْلِنَا خَلَقَ اللَّهُ أَصْدَقَ النِّسَبِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي إِنْ كَانَتْ مَجَازًا لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ نِسْبَةُ حَقِيقَةٍ الْبَتَّةَ ، لَا فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الضَّلَالِ .