فصل
قال
الجهمي : ورد في القرآن
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28714ذكر الوجه والأعين والعين الواحدة ، فلو أخذنا بالظاهر لزمنا إثبات شخص له وجه وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنب واحد ،
[ ص: 34 ] وعليه أيد كثيرة ، وله ساق واحد ، ولا نرى في الدنيا شخصا أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة .
قال
السني المعظم حرمات الله تعالى : قد ادعيت أيها
الجهمي أن ظاهر القرآن الذي هو حجة الله على عباده ، والذي هو خير الكلام وأصدقه وأحسنه وأفصحه وهو الذي هدى الله به عباده وجعله شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين ، ولم ينزل كتابا من السماء أهدى منه ولا أحسن ولا أكمل ، فانتهكت حرمته وعظمته ونسبته إلى أقبح النقص والعيب ، وادعيت أن ظاهره ومدلوله إثبات شخص له وجه وله أعين كثيرة ، وله ساق واحد ، وادعيت أن ظاهر ما وصف الله به نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنيعة ، فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأقبح الصفات في ظاهر كلامه ، فأي طعن في القرآن أعظم من طعن من يجعل هذا ظاهره ؟ ولم يدع أحد من أعداء الرسول الذين ظاهروه بالمحاربة أن ظاهر كلامه أبطل الباطل ، فلو كان ذلك ظاهر القرآن لكان ذلك من أقرب الطرق لهم إلى الطعن فيه ، وقالوا : كيف تدعونا إلى عبادة رب صورته هذه الصورة الشنيعة ؟ وهم يوردون عليه ما هو أقل من هذا بكثير ، كما أوردوا عليه
المسيح لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) فتعلقوا بظاهر ما لم يدل عليه ما أورده ، وهو دخول المسيح فيما عبد من دون الله ، إما بعموم لفظ ( ما ) وإما بعموم المعنى ، وأورد أهل الكتاب على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء ) أن بين
هارون وعيسى ما بينهما ، وليس ظاهر القرآن أنه
هارون بن عمران بوجه ، وكانوا يتعنتون فيما يوردونه على القرآن بهذا ودونه ، فكيف يجدون ظاهره إثبات رب شأنه هذا ولا ينكرونه ؟
فَصْلٌ
قَالَ
الْجَهْمِيُّ : وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28714ذِكْرُ الْوَجْهِ وَالْأَعْيُنِ وَالْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ ، فَلَوْ أَخَذْنَا بِالظَّاهِرِ لَزِمَنَا إِثْبَاتُ شَخْصٍ لَهُ وَجْهٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ أَعْيُنٌ كَثِيرَةٌ وَلَهُ جَنْبٌ وَاحِدٌ ،
[ ص: 34 ] وَعَلَيْهِ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ ، وَلَهُ سَاقٌ وَاحِدٌ ، وَلَا نَرَى فِي الدُّنْيَا شَخْصًا أَقْبَحَ صُورَةً مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُتَخَيَّلَةِ .
قَالَ
السُّنِّيُّ الْمُعَظِّمُ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى : قَدِ ادَّعَيْتَ أَيُّهَا
الْجَهْمِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَالَّذِي هُوَ خَيْرُ الْكَلَامِ وَأَصْدَقُهُ وَأَحْسَنُهُ وَأَفْصَحُهُ وَهُوَ الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَجَعَلَهُ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلَمْ يُنْزِلْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ أَهْدَى مِنْهُ وَلَا أَحْسَنَ وَلَا أَكْمَلَ ، فَانْتَهَكْتَ حُرْمَتَهُ وَعَظَمَتَهُ وَنَسَبْتَهُ إِلَى أَقْبَحِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ ، وَادَّعَيْتَ أَنَّ ظَاهِرَهُ وَمَدْلُولَهُ إِثْبَاتُ شَخْصٍ لَهُ وَجْهٌ وَلَهُ أَعْيُنٌ كَثِيرَةٌ ، وَلَهُ سَاقٌ وَاحِدٌ ، وَادَّعَيْتَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الشَّنِيعَةِ ، فَيَكُونُ سُبْحَانَهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَقْبَحِ الصِّفَاتِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، فَأَيُّ طَعْنٍ فِي الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْ طَعْنِ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا ظَاهَرَهُ ؟ وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ أَعْدَاءِ الرَّسُولِ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُ بِالْمُحَارَبَةِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَبْطَلَ الْبَاطِلِ ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ لَهُمْ إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ ، وَقَالُوا : كَيْفَ تَدْعُونَا إِلَى عِبَادَةِ رَبٍّ صُورَتُهُ هَذِهِ الصُّورَةُ الشَّنِيعَةُ ؟ وَهُمْ يُورِدُونَ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ ، كَمَا أَوْرَدُوا عَلَيْهِ
الْمَسِيحَ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=98إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) فَتَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ ، وَهُوَ دُخُولُ الْمَسِيحِ فِيمَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، إِمَّا بِعُمُومِ لَفْظِ ( مَا ) وَإِمَّا بِعُمُومِ الْمَعْنَى ، وَأَوْرَدَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=28يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ) أَنَّ بَيْنَ
هَارُونَ وَعِيسَى مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ
هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ بِوَجْهٍ ، وَكَانُوا يَتَعَنَّتُونَ فِيمَا يُورِدُونَهُ عَلَى الْقُرْآنِ بِهَذَا وَدُونَهُ ، فَكَيْفَ يَجِدُونَ ظَاهِرَهُ إِثْبَاتَ رَبٍّ شَأْنُهُ هَذَا وَلَا يُنْكِرُونَهُ ؟