فصل
في ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29697_29698_29700_29710_29719_29448_28719حجة الجهمي على أنه سبحانه لا يرضى ولا يغضب ، ولا يحب ولا يسخط ولا يفرح ، والجواب عنها
احتج الجهمي على امتناع ذلك عليه بأن هذا انفعال وتأثير عن العبد والمخلوق لا يؤثر في الخالق ، فلو أغضبه أو فعل ما يفرح به لكان المحدث قد أثر في القديم تلك الكيفيات ، وهذا محال ، هذه الشبهة من جنس شبههم التي تدهش السامع أول ما تطرق سمعه ، وتأخذ منه تروعه ، كالسحر الذي يدهش الناظر أول ما يراه .
والجواب من وجوه : أحدها : أن الله تعالى خالق كل شيء ، وربه ومليكه ، وكل ما في الكون من أعيان وأفعال وحوادث فهي بمشيئته وتكوينه ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فصفتان لا تخصيص فيهما بوجه من الوجوه ، وكل ما يشاؤه إنما يشاؤه لحكمة اقتضاها حمده ومجده ، فحكمته البالغة أوجبت كل ما في الكون من الأسباب والمسببات ، فهو سبحانه خالق الأسباب التي ترضيه وتغضبه وتسخطه وتفرحه ، والأشياء التي يحبها ويكرهها الله سبحانه خالق ذلك كله ، فالمخلوق أضعف وأعجز أن يؤثر فيه ، بل هو الذي خلق ذلك كله على علمه ، فإنه يحب هذا ويرضى هذا ، ويبغض هذا ويسخط هذا ، ويفرح بهذا فما أثر فيه غيره بوجه من الوجوه .
الثاني : أن التأثير لفظ فيه اشتباه وإجمال ، أتريد به أن غيره لا يعطيه كمالا لم يكن له ، ويوجد فيه صفة كان فاقدها ؟ فهذا معلوم بالضرورة أم تريد أن غيره لا يسخطه ولا يغضبه ، ولا يفعل ما يفرح به أو يحبه أو يكرهه ، ونحو ذلك ، فهذا غير ممتنع ، وهو أول المسألة ، وليس معك في نفيه إلا مجرد الدعوى بتسمية ذلك تأثيرا في الخالق ، وليس الشأن في الأسماء ، إنما الشأن في المعاني والحقائق ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=28ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي بكر في
أهل الصفة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347244لإن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك " .
الثالث : أن هذا يبطل محبته لطاعة المؤمنين ، وبغضه لمعاصي المخالفين ، فهذا
[ ص: 218 ] وهذا معلوم البطلان بالضرورة والعقل والفطر الإنسانية واتفاق أهل الأديان كلهم ، بل هذا حقيقة دعوة الرسل بعد التوحيد .
الرابع : أن هذا ينتقض بإجابة دعواتهم وسماع أصواتهم ، ورؤية أفعالهم وحركاتهم ، فإن هذه كلها أمور متعلقة بأفعالهم ، فما كان جوابك عنها في محل الإلزام .
الخامس : أنه سبحانه إذا كان يحب أمورا ، وتلك الأمور محبوبة لها لوازم يمتنع وجودها بدونها ، كان وجود تلك الأمور مستلزما للوازمها التي لا توجد بدونها ، مثاله محبته للعفو والمغفرة والتوبة ، فهذه المحبوبات تستلزم وجود ما يعفو عنه ويغفره ويتوب إليه العبد منه ، ووجود الملزوم بدون لازمه محال ، فلا يمكن حصول محبوباته سبحانه من التوبة والعفو والمغفرة ، بدون الذي يتاب منه ويغفره ويعفو عنه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347245لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " وهذا هو الذي وردت الأحاديث الصحيحة بالفرح به ، وهذا المفروح به يمتنع وجوده قبل الذنب فضلا من أن يكون ، فهذا المفروح به يحب تأخره قطعا ، ومثل هذا ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347246أن آدم لما رأى بنيه ورأى تفاوتهم ، قال : يا رب ، هلا سويت بين عبادك ؟ قال : إني أحب أن أشكر ، ومعلوم أن محبته للشكر على ما فضل به بعضهم على بعض ، ولا يحصل ذلك بالتسوية بينهم ، فإن الجمع بين التسوية والتفضيل جمع بين النقيضين ، وذلك محال .
الوجه الثاني والخمسون : أن هذه المعارضة بين العقل والنقل هي أصل كل فساد في العالم ، وهي ضد دعوة الرسل من كل وجه ، فإنهم دعوا إلى تقديم الوحي على الآراء والعقول ، وصار خصومهم إلى ذلك ، فأتباع الرسل قدموا الوحي على الرأي والمعقول ، وأتباع إبليس أو نائب من نوابه قدموا العقل على النقل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14592محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل : اعلم أن أول شبهة وقعت في الخلق شبهة إبليس ، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص ، واختياره الهوى في معارضة الرأي ، واستكباره بالمادة التي خلق منها ، وهي النار على مادة
آدم ، وهي الطين ، وتشعبت عن هذه الشبهة سبع شبهات صارت هي مذاهب بدعة
[ ص: 219 ] وضلالة ، وتلك الشبهات مسطورة في شرح الأناجيل الأربعة ومذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرة بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود والامتناع منه ، قال : كما نقل عنه : إني سلمت أن الباري إلهي وإله الخلق عالم قادر ، ولا يسأل عن قدرته ومشيئته ، وإذا أراد شيئا قال له (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=117كن فيكون ) وهو حكيم ، إلا أنه يتوجه على مساق حكمته أسئلة سبعة : أولها : قد علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني ويحصل ، فلم خلقني أولا وما الحكمة في خلقه إياي ؟ .
الثاني : إذ خلقني على مقتضى إرادته ومشيئته ، فلم كلفني بمعرفته وطاعته ؟ وما الحكمة في التكليف بعد ألا ينتفع بطاعته ولا يتضرر بمعصيته ؟
الثالث : إذ خلقني وكلفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة والطاعة فعرفت وأطعت ، فلم كلفني بطاعة
آدم والسجود له ؟ وما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص بعد أن لا يزيد ذلك في طاعتي ومعرفتي ؟
الرابع : إذ خلقني وكلفني على الإطلاق ، وكلفني هذا التكليف على الخصوص ، فإذا لم أسجد لعنني وأخرجني من الجنة ، ما الحكمة في ذلك بعد إذ لم أرتكب قبيحا إلا قولي : لا أسجد إلا لك ؟
الخامس : إذ خلقني وكلفني مطلقا وخصوصا ولم أطع فلعنني وطردني فلم طرقني إلى
آدم حتى دخلت الجنة ثانيا ، وغررته بوسوستي فأكل من الشجرة المنهي عنها ، وأخرجه من الجنة معي ، وما الحكمة في ذلك ، بعد أن لو منعني من دخول الجنة لاستراح مني وبقي خالدا في الجنة ؟
السادس : إذ خلقني كلفني عموما وخصوصا ولعنني ثم طرقني إلى الجنة ، وكانت الخصومة بيني وبين
آدم ، فلم سلطني على أولاده حتى أراهم من حيث لا يروني ، وتؤثر فيهم وسوستي ولا يؤثر في حولهم وقوتهم وقدرتهم واستطاعتهم ، وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يجتالهم عنها فيعيشوا طاهرين سامعين مطيعين كان أحرى وأليق بالحكمة ؟
السابع : سلمت هذا كله ، خلقني وكلفني مطلقا ومقيدا ، وحيث لم أطع لعنني وطردني ، ومكنني من دخول الجنة وطرقني وإذ عملت عملا أخرجني ، ثم سلطني على
[ ص: 220 ] بني
آدم ، فلم إذ استمهلته أمهلني فقلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=36فأنظرني إلى يوم يبعثون ) فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=37فإنك من المنظرين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=38إلى يوم الوقت المعلوم ) وما الحكمة في ذلك بعد أن لو أهلكني في الحال استراح الخلق مني ، وما بقي شر في العالم ؟ أليس بقاء العالم على نظام الخير خير من امتزاجه بالشر ؟ قال : فهذه حجتي على ما ادعيته في كل مسألة .
قال شارح الإنجيل : فأوحى الله تعالى إلى الملائكة ، قالوا له : إنك في مسألتك الأولى : إني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص ، إذ لو صدقت أني رب العالمين ما احتكمت علي بلم ، فأنا الله الذي لا إله إلا أنا ، لا أسأل عما أفعل ، والخلق مسئولون ، قال : هذا مذكور في التوراة والزبور ، مسطور في الإنجيل على الوجه الذي ذكرته ، وكنت برهة من الزمان أتفكر وأقول : من المعلوم الذي لا مرية فيه أن
nindex.php?page=treesubj&link=28798كل شبهة وقعت لبني آدم فإنما وقعت من إضلال الشيطان ووساوسه ، ونشأت من شبهاته ، وإذا كانت الشبهات محصورة في سبع عادت كبار البدع والضلال إلى سبع ، ولا يجوز أن تعدوها شبهة أهل الزيغ والكفر ، وإن اختلفت العبارات وتباينت الطرق فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذر ترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالخلق ، وإلى الجنوح إلى الهوى والرأي في مقابلة النص ، والذين جادلوا
هودا ،
ونوحا ،
وصالحا ،
وإبراهيم ،
ولوطا ،
وشعيبا ،
وموسى ،
وعيسى ،
ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم ، كلهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاتهم ، وحاصلها يرجع إلى رفع التكليف عن أنفسهم وجحد أصحاب التكاليف والشرائع عن هذه الشبهة نشأ ، فإنه لا فرق بين قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6أبشر يهدوننا ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=61أأسجد لمن خلقت طينا ) ، ومن هذا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) ، فبين أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى ، كما قال المتقدم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) ، وكذلك لو تعقبنا أقوال المتأخرين منهم وجدناها مطابقة لأقوال المتقدمين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=101فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) ، فاللعين الأول لما حكم العقل
[ ص: 221 ] على من لا يحتكم عليه العقل أجرى حكم الخالق في الخلق وحكم الخلق في الخالق ، والأول غلو ، والثاني تقصير فثار من الشبهة الأولى مذاهب الحلولية والتناسخية والمشبهة والغلاة من
الرافضة من حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الجلال ، وثار من الشبهة الثانية
nindex.php?page=treesubj&link=30239_28836_28834مذاهب القدرية والجبرية والمجسمة حيث قصروا في وصفه تعالى بصفات المخلوقين والمعتزلة مشبهة الأفعال ومشبهة الصفات وكل منهما أعور ، فإن من قال : يحسن منه ما يحسن منا ويقبح منه ما يقبح منا ، فقد شبه الخالق بالخلق ، ومن قال : يوصف الباري بما يوصف به الخلق أو يوصف الخلق بما يوصف به الباري ، فقد اعتزل عن الحق ، وشيخ
القدرية طلب العلة في كل شيء ، وذلك الشيخ اللعين الأول ، إذ طلب العلة في الخلق أولا ، والحكمة في التكليف ثانيا ، والمعاندة في تكليف السجود
لآدم ثالثا .
ثم ذكر
الخوارج والمعتزلة والروافض وقال : رأيت شبهاتهم كلها نشأت من شبهات اللعين الأول ، وإليه أشار التنزيل بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=168ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347247لتسلكن سبل الأمم قبلكم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " .
فهذه القصة في المناظرة هي نقل أهل الكتاب ، ونحن لا نصدقها ولا نكذبها ، وكأنها والله أعلم مناظرة وضعت على لسان إبليس ، وعلى كل حال فلا بد من الجواب عنها سواء صدرت عنه أو قيلت على لسانه ، فلا ريب أنها من كيده ، وقد أخبر تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=76إن كيد الشيطان كان ضعيفا . )
فهذه الأسئلة والشبهات من أضعف الأسئلة عند أهل العلم والإيمان ، وإن صعب موقعها عند من أصل أصولا فاسدة كانت سدا بينه وبين ردها ، وقد اختلفت طرق
[ ص: 222 ] الناس في الأجوبة عنها ، فقال المنجمون وزنادقة الطبائعيين والفلاسفة : لا حقيقة
لآدم ولا لإبليس ولا لشيء من ذلك ، بل لم يزل الوجود هكذا ، ولا يزال نسلا بعد نسل ، وأمة بعد أمة ، وإنما أمثال مضروبة لانفعال القوى النفسانية الصالحة لهذا البشر ، وهذه القوى هي المسماة في الشرائع بالملائكة ، واستعصت القوى الغضبية والشهوانية ، وهي المسماة بالشياطين ، فعبروا عن خضوع القوى الخيرية الفاضلة بالسجود ، وعبر عن إباء القوى الشريرة بالإباء والاستكبار وترك السجود ، قالوا : والحكمة الإلهية اقتضت تركيب الإنسان على هذا الوجه ، وإسكان هذه القوى فيه وانقياد بعضها له وإباء بعضها ، فهذا شأن الإنسان ، ولو كان على غير هذا التركيب لم يكن إنسانا ، قالوا : وبهذا تندفع الأسئلة كلها ، وإنها بمنزلة أن يقال : لم أحوج الإنسان إلى الأكل والشرب واللباس ، ولما أحوجه إليها ، فلم جعله يبول ويتغوط ويمخط ؟ ولم جعله يهرم ويمرض ويموت ؟ فإن هذه الأمور من لوازم النشأة الإنسانية ، فهذه الطائفة رفعت القواعد من أصلها وأبطلت
آدم وإبليس والملائكة ، وردت الأمر إلى مجرد قوى نفسانية وأمور معنوية .
وقالت
الجبرية ، ومنكرو العلل والحكم : هذه الأسئلة إنما ترد على من يفعل لعلة أو غرض أو لغاية ، فأما من لا علة لفعله ولا غاية ولا غرض ، بل يفعل بلا سبب فإنما مصدر مفعولاته محض مشيئته وغايتها مطابقتها بعلمه وإرادته ، فيجيء فعله على وفق إرادته وعلمه ، وعلى هذا فهذه الأسئلة فاسدة كلها ، إذ مبناها على أصل واحد ، وهو تعليل أفعال من لا تعلل أفعاله ولا يوصف بحسن ولا قبح عقليين ، بل الحسن ما فعله أو ما يفعله فكله حسن (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ، قالوا : والقبح والظلم هو تصرف الإنسان في غير ملكه ، فأما تصرف الملك الحق في ملكه من غير أن يكون تحت حجر حاجر أو أمر آمر أو نهي ناه ، فإنه لا يكون ظلما ولا قبيحا ، فرفع هؤلاء الأسئلة من أصلها والتزموا لوازم هذا الأول بأنه لا يجب على الله شيء ، ولا يحرم عليه شيء ، ولا يقبح منه ممكن .
وقالت
القدرية : هذا لا يرد على أصولنا ، وإنما يرد على
nindex.php?page=treesubj&link=28836_28785أصول الجبرية القائلين بأن الله تعالى خالق أفعال العباد ، وطاعتهم ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم ، وأنه قدر ذلك عليهم قبل أن يخلقهم وعلمه منهم وخلقهم له ، فخلق أهل الكفر للكفر ، وأهل الفسوق للفسوق ، قدر ذلك عليهم وشاءه منهم وخلقه فيهم ، فهذه الأسئلة واردة
[ ص: 223 ] عليهم ، وأما نحن فعندنا أن الله تعالى عرضهم للطاعة والإيمان وأقدرهم عليه ومكنهم منه ورضيه لهم وأحبه ، ولكنهم اختاروا لأنفسهم الكفر والعصيان ، والله تعالى لم يكرههم على ذلك ولم يجبلهم عليه ولا شاءه منهم ولا كتبه عليهم ولا قدره ، ولا خلقهم له ولا خلقه فيهم ، ولكنها أعمال هم لها عاملون وشرور هم لها فاعلون ، فإنما خلق إبليس لطاعته وعبادته ، ولم يخلق لمعصيته والكفر به ، وصرح قدماء هذه الفرقة بأن الله سبحانه لم يكن يعلم من إبليس حين خلقه أنه يصدر منه ما صدر ، ولو علم ذلك منه لم يخلقه ، وأبى متأخرون ذلك ، وقالوا : بل كان سبحانه عالما به وخلقه امتحانا لعباده ليظهر المطيع له من العاصي ، والمؤمن من الكافر ، وليثيب عباده على معاداته ومحاربته ومعصيته أفضل الثواب ، قالوا : وهذه الحكمة اقتضت بقاءه حتى تنقضي الدنيا وأهلها ، قالوا : وأمره بالسجود ليطيعه فيثيبه ، فاختار لنفسه المعصية والكفر من غير إكراه من الرب ولا إلجاء له إلى ذلك ، ولا حال بينه وبين السجود ، ولا سلط على
آدم وذريته قهرا ، وقد اعترف عدو الله بذلك حيث يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وما كان لي عليكم من سلطان ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=21وما كان له عليهم من سلطان ) قالوا : فاندفعت تلك الأسئلة وظهر أنها ترد على أصول
الجبرية لا على أصولنا .
وقالت الفرقة الناجية ، حزب الله ورسوله : كيف يطمع في الرد على عدو الله من قد شاركه في أصله وفي بعض شبهه ، فإن عدو الله أصل معارضة النص بالرأي ، فيترتب على تأصيله هذه الأسئلة وأمثالها ، فمن عارض النقل بالعقل فهو شريكه من هذا الوجه فلا يمكن من الرد التام عليه ، ولهذا لما شاركه زنادقة الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين في هذا الأصل أنكروا وجوده ووجود
آدم والملائكة ، فضلا عن قصة أمره بالسجود وإبائه وما ترتب عليه ، ولما أنكرت
الجبرية الحكم والتعليل والأسباب عجزوا عن جواب أسئلة وسدوا على نفوسهم باب استماعها والجواب عنها ، وفتحوا باب مكابرة العقول الصحيحة في إنكار تحسين العقل وتقبيحه ، وإنكار الأسباب والقوى والطبائع والحكم والغايات المحمودة التي لأجلها يفعل الرب ما يفعله ، وجوزوا عليه أن يفعل كل شيء وأن يأمر بجميع ما نهى عنه وينهى عن كل ما أمر به ، ولا فرق عندهم البتة بين المأمور والمحظور ، والكل سواء في نفس الأمر ، ولكن هذا صار حسنا بأمره لأنه في نفسه وذاته حسن ، وهذا صار قبيحا بنهيه لأنه في نفسه وذاته قبيح .
[ ص: 224 ] ولما
nindex.php?page=treesubj&link=28785_30239وصلت القدرية إنكار عموم قدرة الرب سبحانه ومشيئته لجميع الكائنات ، وأخرجت أفعال عبده خيرها وشرها عن قدرته ومشيئته لخلقه ، وأثبتت لله تعالى شريعة بعقولهم حكمت عليه بها ، واستحسنت منه ما استحسنت من أنفسها ، واستقبحت منه ما استقبحته من أنفسها ، وعارضت بين الأدلة السمعية الدالة على خلاف ما أصلوه وبين العقل ، ثم راموا الرد على عدو الله فعجزوا عن الرد التام عليه ، وإنما يتمكن من الرد عليه كل الرد من تلقى أصوله عن مشكاة الوحي ونور النبوة ، ولم يؤصل أصلا برأيه .
فأول ذلك أنه علم أن هذه الأسئلة ليست من كلام الله الذي أنزله على
موسى وعيسى مخبرا بها عن عدوه كما أخبر عنه في القرآن بكثير من قوله وأفعاله ، وإدخال بعض أهل الكتاب لها في تفسير التوراة والإنجيل ، كما نجد بالمسلمين من يدخل في تفسير القرآن كثيرا من الأحاديث والأخبار والقصص التي لا أصل لها ، وإذا كان هذا في هذه الأمة التي هي أكمل الأمم علوما وعقولا ، فما الظن بأهل الكتاب ؟
الوجه الثاني : أن يقال لعدو الله : قد ناقضت في أسئلتك ما اعترفت به غاية المناقضة ، وجعلت ما أسلفت من التسليم والاعتراف مبطلا لجميع أسئلتك متضمنا للجواب عنها قبل ذكرها ، وذلك أنك قلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=40إلا عبادك منهم المخلصين ) فاعترفت بأنه ربك وخالقك ومالكك ، وأنك مخلوق له مربوب تحت أوامره ونواهيه ، وإنما شأنك أن تتصرف في نفسك تصرف العبد المأمور المنهي المستعذب لأوامر سيده ونواهيه ، وهذه الغاية التي خلقت لها ، وهي غاية الخلق وكمال سعادتهم ، وهذا الاعتراف منك بربوبيته وقدرته وعزته يتضمن إقرارك بكمال علمه وحكمته وغناه ، وأنه في كل ما أقر عليم حكيم لم يأمر عبده لحاجة منه إلى ما أمر به عبده ، ولا نهاه بخلا عليه بما نهاه ، بل أمره رحمة منه به وإحسانا إليه بما فيه صلاحه في معاشه ومعاده وما لا صلاح له إلا به ، ونهاه عما في ارتكابه فساده في معاشه ومعاده ، فكانت نعمته عليه بأمره ونهيه أعظم من نعمته عليه بمأكله ومشربه ولباسه وصحة بدنه بما لا نسبة بينهما ، كما قال سبحانه في آخر فصل مع الأبوين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) فأخبر سبحانه أن لباس التقوى وزينتها خير من المال والريش والجمال الظاهر .
[ ص: 225 ] فالله تعالى خلق عبده وجمل ظواهرهم بأحسن تقويم ، وجمل بواطنهم بهدايتهم إلى الصراط المستقيم ، ولهذا كانت صورتك قبل معصية ربك من أحسن الصور ، وأنت مع ملائكته الأكبرين ، فلما وقع ما وقع جعل صورتك وشناعة منظرك مثلا يضرب لكل قبيح ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طلعها كأنه رءوس الشياطين ) فهذه أول نقدة تعجلتها من معصيته ، ولا ريب أنك تعلم أنه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين وأغنى الأغنياء وأرحم الراحمين ، وأنه لم يأمر العباد إلا بما فعله خير لهم وأصلح وأنفع لهم من تركه فأمرهم بما أمرهم لمصلحة عائدة عليهم ، كما رزقهم الطعام والشراب وغيرهما من النعم ، فالسعداء استعملوا أمره وشرعه لحفظ صحة قلوبهم وكماله وصلاحها بمنزلة استعمالهم رزقه لحفظ صحة أجسامهم وصلاحها ، وتيقنوا أنه كما لا بقاء للبدن ولا صحة ولا صلاح إلا بتناول غذائه الذي جعل له ، فكذلك لا صلاح للقلب والروح ، ولا فلاح ولا نعيم إلا بتناول غذائه الذي جعل له .
هذا وإن ألقيت إلى طائفة من الناس أنه لا مصلحة للمكلفين فيما أمروا به ونهوا عنه ، ولا منفعة لهم فيه ولا خير ، ولا فرق في نفس الأمر بين فعل هذا وترك هذا ، ولكن أمروا ونهوا لمجرد الامتحان والاختيار ولا فرق ، فلم يؤمروا بحسن ولم ينهوا عن قبيح ، بل ليس في نفس الأمر لا حسن ولا قبيح ، ومن عجيب أمرك وأمرهم أنك أوحيت إليهم هذا فردوا به عليك فجعلوه جواب أسئلتك فدفعوها كلها ، وقالوا : إنما تتوجه هذه الأسئلة في حق من يفعل لعلة أو غرض ، وأما من فعله بريء من العلل والأغراض فلا يتوجه عليه سؤال واحد من هذه الأسئلة ، فإن كانت هذه القاعدة حقا فقد اندفعت أسئلتك كلها ، وإن كانت باطلا والحق في خلافها فقد بطلت أسئلتك أيضا كما تقدم ، يوضحه :
الوجه الثالث : أن تقول لعدو الله : إما أن تسلم حكم الله في خلقه وأمره ، وإما أن تجحده وتنكره ، فإن سلمتها وأنه سبحانه حكيم في خلقك حكيم في أمرك بالسجود ، بطلت الأسئلة وكنت معترفا بأنك أوردتها على من تبهر حكمته العقول ، فبتسليمك هذه الحكمة التي لا سبيل للمخلوقين إلى المشاركة فيها يعود على أسئلتك الفاسدة بالنقض ، وإن رجعت عن الإقرار له بالحكمة ، وقلت : لا يفعل لحكمة البتة بل (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) فما وجه إيراد هذه الأسئلة على من لم
[ ص: 226 ] يفعل لحكمة ؟ فقد أوردت الأسئلة على من لا يسأل عما يفعل ، وطعنت في حكمة من كل أفعاله حكمة ومصلحة وعدل وخير بمعقولك الفاسد .
الوجه الرابع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28661_31753الله فطر عباده ، حتى الحيوان ، على استحسان وضع الشيء في موضعه والإتيان به في وقته وحصوله على الوجه المطلوب منه ، وعلى استقباح ضد ذلك وخلافه ، وأن الأول دال على كمال فاعله وعلمه وقدرته ، وضده دال على نقصه ، وهذه فطرة لا يمكنهم الخروج عن موجبها ، فهو سبحانه يضع الأشياء في مواضعها التي لا يليق بها سواها ، ويخصها من الصفات والأشكال والهيئات والمقادير بما هو أنسب لها من غيره ، وأبرزها في أوقاتها المناسبة لها ، ومن له نظر صحيح وأعطى التأمل حقه شهد ذلك فيما رآه وعلمه ، واستدل بما شاهده على ما خفي عنه ، وقد ندب سبحانه عباده إلى ذلك فقال (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=21وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) .
فَصْلٌ
فِي ذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=29697_29698_29700_29710_29719_29448_28719حُجَّةِ الْجَهْمِيِّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ ، وَلَا يُحِبُّ وَلَا يَسْخَطُ وَلَا يَفْرَحُ ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا
احْتَجَّ الْجَهْمِيُّ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا انْفِعَالٌ وَتَأْثِيرٌ عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَخْلُوقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْخَالِقِ ، فَلَوْ أَغْضَبَهُ أَوْ فَعَلَ مَا يَفْرَحُ بِهِ لَكَانَ الْمُحْدَثُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْقَدِيمِ تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ ، وَهَذَا مُحَالٌ ، هَذِهِ الشُّبْهَةُ مِنْ جَنْسِ شُبَهِهِمُ الَّتِي تُدْهِشُ السَّامِعَ أَوَّلَ مَا تَطْرُقُ سَمْعَهُ ، وَتَأْخُذُ مِنْهُ تُرَوِّعُهُ ، كَالسِّحْرِ الَّذِي يُدْهِشُ النَّاظِرَ أَوَّلَ مَا يَرَاهُ .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، وَكُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ أَعْيَانٍ وَأَفْعَالٍ وَحَوَادِثَ فَهِيَ بِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ ، فَمَا شَاءَ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، فَصِفَتَانِ لَا تَخْصِيصَ فِيهِمَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، وَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ إِنَّمَا يَشَاؤُهُ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَاهَا حَمْدُهُ وَمَجْدُهُ ، فَحِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ أَوْجَبَتْ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُرْضِيهِ وَتُغْضِبُهُ وَتُسْخِطُهُ وَتُفْرِحُهُ ، وَالْأَشْيَاءَ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَكْرَهُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَالْمَخْلُوقُ أَضْعَفُ وَأَعْجَزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ ، بَلْ هُوَ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى عِلْمِهِ ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ هَذَا وَيَرْضَى هَذَا ، وَيُبْغِضُ هَذَا وَيَسْخَطُ هَذَا ، وَيَفْرَحُ بِهَذَا فَمَا أَثَّرَ فِيهِ غَيْرُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ .
الثَّانِي : أَنَّ التَّأْثِيرَ لَفْظٌ فِيهِ اشْتِبَاهٌ وَإِجْمَالٌ ، أَتُرِيدُ بِهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُعْطِيهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ، وَيُوجَدُ فِيهِ صِفَةً كَانَ فَاقِدَهَا ؟ فَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَمْ تُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُسْخِطُهُ وَلَا يُغْضِبُهُ ، وَلَا يَفْعَلُ مَا يَفْرَحُ بِهِ أَوْ يُحِبُّهُ أَوْ يَكْرَهُهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَيْسَ مَعَكَ فِي نَفْيِهِ إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الْخَالِقِ ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الْأَسْمَاءِ ، إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي الْمَعَانِي وَالْحَقَائِقِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=28ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَبِي بَكْرٍ فِي
أَهْلِ الصُّفَّةِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347244لَإِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ " .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ مَحَبَّتَهُ لِطَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَبُغْضَهُ لِمَعَاصِي الْمُخَالِفِينَ ، فَهَذَا
[ ص: 218 ] وَهَذَا مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ وَالْعَقْلِ وَالْفِطَرِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهِمْ ، بَلْ هَذَا حَقِيقَةُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا يَنْتَقِضُ بِإِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ وَسَمَاعِ أَصْوَاتِهِمْ ، وَرُؤْيَةِ أَفْعَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ ، فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أُمُورٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَفْعَالِهِمْ ، فَمَا كَانَ جَوَابُكَ عَنْهَا فِي مَحَلِّ الْإِلْزَامِ .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ يُحِبُّ أُمُورًا ، وَتِلْكَ الْأُمُورُ مَحْبُوبَةٌ لَهَا لَوَازِمُ يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا بِدُونِهَا ، كَانَ وُجُودُ تِلْكَ الْأُمُورِ مُسْتَلْزِمًا لِلَوَازِمِهَا الَّتِي لَا تُوجَدُ بِدُونِهَا ، مِثَالُهُ مَحَبَّتُهُ لِلْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّوْبَةِ ، فَهَذِهِ الْمَحْبُوبَاتُ تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا يَعْفُو عَنْهُ وَيَغْفِرُهُ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْهُ ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ مُحَالٌ ، فَلَا يُمْكِنُ حُصُولُ مَحْبُوبَاتِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ ، بِدُونِ الَّذِي يُتَابُ مِنْهُ وَيَغْفِرُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347245لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَرَحِ بِهِ ، وَهَذَا الْمَفْرُوحُ بِهِ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ قَبْلَ الذَّنْبِ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ، فَهَذَا الْمَفْرُوحُ بِهِ يُحِبُّ تَأَخُّرَهُ قَطْعًا ، وَمِثْلُ هَذَا مَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347246أَنَّ آدَمَ لَمَّا رَأَى بَنِيهِ وَرَأَى تَفَاوُتَهُمْ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، هَلَّا سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ ؟ قَالَ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَبَّتَهُ لِلشُّكْرِ عَلَى مَا فَضَّلَ بِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ ، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ .
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ : أَنَّ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ هِيَ أَصْلُ كُلِّ فَسَادٍ فِي الْعَالَمِ ، وَهِيَ ضِدُّ دَعْوَةِ الرُّسُلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَإِنَّهُمْ دَعَوْا إِلَى تَقْدِيمِ الْوَحْيِ عَلَى الْآرَاءِ وَالْعُقُولِ ، وَصَارَ خُصُومُهُمْ إِلَى ذَلِكَ ، فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ قَدَّمُوا الْوَحْيَ عَلَى الرَّأْيِ وَالْمَعْقُولِ ، وَأَتْبَاعُ إِبْلِيسَ أَوْ نَائِبٌ مِنْ نُوَّابِهِ قَدَّمُوا الْعَقْلَ عَلَى النَّقْلِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14592مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ : اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي الْخَلْقِ شُبْهَةُ إِبْلِيسَ ، وَمَصْدَرُهَا اسْتِبْدَادُهُ بِالرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ ، وَاخْتِيَارُهُ الْهَوَى فِي مُعَارَضَةِ الرَّأْيِ ، وَاسْتِكْبَارُهُ بِالْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا ، وَهِيَ النَّارُ عَلَى مَادَّةِ
آدَمَ ، وَهِيَ الطِّينُ ، وَتَشَعَّبَتْ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ سَبْعُ شُبُهَاتٍ صَارَتْ هِيَ مَذَاهِبُ بِدْعَةٍ
[ ص: 219 ] وَضَلَالَةٍ ، وَتِلْكَ الشُّبُهَاتُ مَسْطُورَةٌ فِي شَرْحِ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ وَمَذْكُورَةٌ فِي التَّوْرَاةِ مُتَفَرِّقَةً عَلَى شَكْلِ مُنَاظَرَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، قَالَ : كَمَا نُقِلَ عَنْهُ : إِنِّي سَلَّمْتُ أَنَّ الْبَارِي إِلَهِي وَإِلَهِ الْخَلْقِ عَالَمٌ قَادِرٌ ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، وَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=117كُنْ فَيَكُونُ ) وَهُوَ حَكِيمٌ ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَسَاقِ حِكْمَتِهِ أَسْئِلَةٌ سَبْعَةٌ : أَوَّلُهَا : قَدْ عُلِمَ قَبْلَ خَلْقِي أَيُّ شَيْءٍ يَصْدُرُ عَنِّي وَيَحْصُلُ ، فَلِمَ خَلَقَنِي أَوَّلًا وَمَا الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِهِ إِيَّايَ ؟ .
الثَّانِي : إِذْ خَلَقَنِي عَلَى مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، فَلِمَ كَلَّفَنِي بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ ؟ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي التَّكْلِيفِ بَعْدَ أَلَّا يَنْتَفِعَ بِطَاعَتِهِ وَلَا يَتَضَرَّرَ بِمَعْصِيَتِهِ ؟
الثَّالِثُ : إِذْ خَلَقَنِي وَكَلَّفَنِي فَالْتَزَمْتُ تَكْلِيفَهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالطَّاعَةِ فَعَرَفْتُ وَأَطَعْتُ ، فَلِمَ كَلَّفَنِي بِطَاعَةِ
آدَمَ وَالسُّجُودِ لَهُ ؟ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ عَلَى الْخُصُوصِ بَعْدَ أَنْ لَا يَزِيدَ ذَلِكَ فِي طَاعَتِي وَمَعْرِفَتِي ؟
الرَّابِعُ : إِذْ خَلَقَنِي وَكَلَّفَنِي عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَكَلَّفَنِي هَذَا التَّكْلِيفَ عَلَى الْخُصُوصِ ، فَإِذَا لَمْ أَسْجُدْ لَعَنَنِي وَأَخْرَجَنِي مِنَ الْجَنَّةِ ، مَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إِذْ لَمْ أَرْتَكِبْ قَبِيحًا إِلَّا قَوْلِي : لَا أَسْجُدُ إِلَّا لَكَ ؟
الْخَامِسُ : إِذْ خَلَقَنِي وَكَلَّفَنِي مُطْلَقًا وَخُصُوصًا وَلَمْ أُطِعْ فَلَعَنَنِي وَطَرَدَنِي فَلِمَ طَرَقَنِي إِلَى
آدَمَ حَتَّى دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ثَانِيًا ، وَغَرَرْتُهُ بِوَسْوَسَتِي فَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ مَعِي ، وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ ، بَعْدَ أَنْ لَوْ مَنَعَنِي مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ لَاسْتَرَاحَ مِنِّي وَبَقِيَ خَالِدًا فِي الْجَنَّةِ ؟
السَّادِسُ : إِذْ خَلَقَنِي كَلَّفَنِي عُمُومًا وَخُصُوصًا وَلَعَنَنِي ثُمَّ طَرَقَنِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَكَانَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ
آدَمَ ، فَلِمَ سَلَّطَنِي عَلَى أَوْلَادِهِ حَتَّى أَرَاهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَوْنِي ، وَتُؤَثِّرُ فِيهِمْ وَسْوَسَتِي وَلَا يُؤَثِّرُ فِيَّ حَوْلَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ وَقُدْرَتَهُمْ وَاسْتِطَاعَتَهُمْ ، وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَوْ خَلَقَهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ دُونَ مَنْ يَجْتَالُهُمْ عَنْهَا فَيَعِيشُوا طَاهِرِينَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ كَانَ أَحْرَى وَأَلْيَقَ بِالْحِكْمَةِ ؟
السَّابِعُ : سَلَّمْتُ هَذَا كُلَّهُ ، خَلَقَنِي وَكَلَّفَنِي مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا ، وَحَيْثُ لَمْ أُطِعْ لَعَنَنِي وَطَرَدَنِي ، وَمَكَّنَنِي مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَطَرَقَنِي وَإِذْ عَمِلْتُ عَمَلًا أَخْرَجَنِي ، ثُمَّ سَلَّطَنِي عَلَى
[ ص: 220 ] بَنِي
آدَمَ ، فَلِمَ إِذِ اسْتَمْهَلْتُهُ أَمْهَلَنِي فَقُلْتُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=36فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=37فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=38إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) وَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَوْ أَهْلَكَنِي فِي الْحَالِ اسْتَرَاحَ الْخَلْقُ مِنِّي ، وَمَا بَقِيَ شَرٌّ فِي الْعَالَمِ ؟ أَلَيْسَ بَقَاءُ الْعَالَمِ عَلَى نِظَامِ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ امْتِزَاجِهِ بِالشَّرِّ ؟ قَالَ : فَهَذِهِ حُجَّتِي عَلَى مَا ادَّعَيْتُهُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ .
قَالَ شَارِحُ الْإِنْجِيلِ : فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ ، قَالُوا لَهُ : إِنَّكَ فِي مَسْأَلَتِكَ الْأُولَى : إِنِّي إِلَهُكَ وَإِلَهُ الْخَلْقِ غَيْرُ صَادِقٍ وَلَا مُخْلِصٍ ، إِذْ لَوْ صَدَّقْتَ أَنِّي رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا احْتَكَمْتَ عَلَيَّ بِلِمَ ، فَأَنَا اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ ، وَالْخَلْقُ مَسْئُولُونَ ، قَالَ : هَذَا مَذْكُورٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ ، مَسْطُورٌ فِي الْإِنْجِيلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ ، وَكُنْتُ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ أَتَفَكَّرُ وَأَقُولُ : مِنَ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28798كُلَّ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ لِبَنِي آدَمَ فَإِنَّمَا وَقَعَتْ مِنْ إِضْلَالِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ ، وَنَشَأَتْ مِنْ شُبُهَاتِهِ ، وَإِذَا كَانَتِ الشُّبُهَاتُ مَحْصُورَةً فِي سَبْعِ عَادَتٍ كِبَارُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ إِلَى سَبْعٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَعْدُوَهَا شُبْهَةُ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْكُفْرِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ وَتَبَايَنَتِ الطُّرُقُ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنْوَاعِ الضَّلَالَاتِ كَالْبَذْرِ تَرْجِعُ جُمْلَتُهَا إِلَى إِنْكَارِ الْأَمْرِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالْخَلْقِ ، وَإِلَى الْجُنُوحِ إِلَى الْهَوَى وَالرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ ، وَالَّذِينَ جَادَلُوا
هُودًا ،
وَنُوحًا ،
وَصَالِحًا ،
وَإِبْرَاهِيمَ ،
وَلُوطًا ،
وَشُعَيْبًا ،
وَمُوسَى ،
وَعِيسَى ،
وَمُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، كُلُّهُمْ نَسَجُوا عَلَى مِنْوَالِ اللَّعِينِ الْأَوَّلِ فِي إِظْهَارِ شُبُهَاتِهِمْ ، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَجَحْدِ أَصْحَابِ التَّكَالِيفِ وَالشَّرَائِعِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ نَشَأَ ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=61أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ) ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْإِيمَانِ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى ، كَمَا قَالَ الْمُتَقَدِّمُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَقَّبْنَا أَقْوَالَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ وَجَدْنَاهَا مُطَابِقَةً لِأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=101فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) ، فَاللَّعِينُ الْأَوَّلُ لَمَّا حَكَّمَ الْعَقْلَ
[ ص: 221 ] عَلَى مَنْ لَا يَحْتَكِمُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ أَجْرَى حُكْمَ الْخَالِقِ فِي الْخَلْقِ وَحُكْمَ الْخَلْقِ فِي الْخَالِقِ ، وَالْأَوَّلُ غُلُوٌّ ، وَالثَّانِي تَقْصِيرٌ فَثَارَ مِنَ الشُّبْهَةِ الْأُولَى مَذَاهِبُ الْحُلُولِيَّةِ وَالتَّنَاسُخِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَالْغُلَاةِ مِنَ
الرَّافِضَةِ مِنْ حَيْثُ غَلَوْا فِي حَقِّ شَخْصٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ حَتَّى وَصَفُوهُ بِأَوْصَافِ الْجَلَالِ ، وَثَارَ مِنَ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=30239_28836_28834مَذَاهِبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُجَسِّمَةِ حَيْثُ قَصَّرُوا فِي وَصْفِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَالْمُعْتَزِلَةِ مُشَبِّهَةِ الْأَفْعَالِ وَمُشَبِّهَةِ الصِّفَاتِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَعْوَرُ ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ : يَحْسُنُ مِنْهُ مَا يَحْسُنُ مِنَّا وَيَقْبَحُ مِنْهُ مَا يُقْبَحُ مِنَّا ، فَقَدْ شَبَّهَ الْخَالِقَ بِالْخَلْقِ ، وَمَنْ قَالَ : يُوصَفُ الْبَارِي بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْخَلْقُ أَوْ يُوصَفُ الْخَلْقُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ الْبَارِي ، فَقَدِ اعْتَزَلَ عَنِ الْحَقِّ ، وَشَيْخُ
الْقَدَرِيَّةِ طَلَبُ الْعِلَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَذَلِكَ الشَّيْخُ اللَّعِينُ الْأَوَّلُ ، إِذْ طَلَبُ الْعِلَّةِ فِي الْخَلْقِ أَوَّلًا ، وَالْحِكْمَةُ فِي التَّكْلِيفِ ثَانِيًا ، وَالْمُعَانَدَةُ فِي تَكْلِيفِ السُّجُودِ
لِآدَمَ ثَالِثًا .
ثُمَّ ذَكَرَ
الْخَوَارِجَ وَالْمُعْتَزِلَةَ وَالرَّوَافِضَ وَقَالَ : رَأَيْتُ شُبُهَاتِهِمْ كُلَّهَا نَشَأَتْ مِنْ شُبُهَاتِ اللَّعِينِ الْأَوَّلِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ التَّنْزِيلُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=168وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347247لَتَسْلُكُنَّ سُبُلَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ وَالنَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ " .
فَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الْمُنَاظَرَةِ هِيَ نَقْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَنَحْنُ لَا نُصَدِّقُهَا وَلَا نُكَذِّبُهَا ، وَكَأَنَّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُنَاظَرَةٌ وُضِعَتْ عَلَى لِسَانِ إِبْلِيسَ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهَا سَوَاءٌ صَدَرَتْ عَنْهُ أَوْ قِيلَتْ عَلَى لِسَانِهِ ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا مِنْ كَيْدِهِ ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=76إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا . )
فَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَالشُّبُهَاتُ مِنْ أَضْعَفِ الْأَسْئِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ، وَإِنْ صَعُبَ مَوْقِعُهَا عِنْدَ مَنْ أَصَّلَ أُصُولًا فَاسِدَةً كَانَتْ سَدًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَدِّهَا ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ طُرُقُ
[ ص: 222 ] النَّاسِ فِي الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا ، فَقَالَ الْمُنَجِّمُونَ وَزَنَادِقَةُ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالْفَلَاسِفَةُ : لَا حَقِيقَةَ
لِآدَمَ وَلَا لِإِبْلِيسَ وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ لَمْ يَزَلِ الْوُجُودُ هَكَذَا ، وَلَا يَزَالُ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ ، وَأُمَّةٍ بَعْدَ أُمَّةٍ ، وَإِنَّمَا أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ لِانْفِعَالِ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ الصَّالِحَةِ لِهَذَا الْبَشَرِ ، وَهَذِهِ الْقُوَى هِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي الشَّرَائِعِ بِالْمَلَائِكَةِ ، وَاسْتَعْصَتِ الْقُوَى الْغَضَبِيَّةُ وَالشَّهَوَانِيَّةُ ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالشَّيَاطِينِ ، فَعَبَّرُوا عَنْ خُضُوعِ الْقُوَى الْخَيْرِيَّةِ الْفَاضِلَةِ بِالسُّجُودِ ، وَعَبَّرَ عَنْ إِبَاءِ الْقُوَى الشِّرِّيرَةِ بِالْإِبَاءِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَتَرْكِ السُّجُودِ ، قَالُوا : وَالْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ اقْتَضَتْ تَرْكِيبَ الْإِنْسَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِسْكَانَ هَذِهِ الْقُوَى فِيهِ وَانْقِيَادَ بَعْضِهَا لَهُ وَإِبَاءَ بَعْضِهَا ، فَهَذَا شَأْنُ الْإِنْسَانِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا التَّرْكِيبِ لَمْ يَكُنْ إِنْسَانًا ، قَالُوا : وَبِهَذَا تَنْدَفِعُ الْأَسْئِلَةُ كُلُّهَا ، وَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ : لِمَ أَحْوَجَ الْإِنْسَانَ إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ ، وَلِمَا أَحْوَجَهُ إِلَيْهَا ، فَلِمَ جَعَلَهُ يَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ وَيَمْخُطُ ؟ وَلِمَ جَعَلَهُ يَهْرَمُ وَيَمْرَضُ وَيَمُوتُ ؟ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ لَوَازِمِ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ ، فَهَذِهِ الطَّائِفَةُ رَفَعَتِ الْقَوَاعِدَ مِنْ أَصْلِهَا وَأَبْطَلَتْ
آدَمَ وَإِبْلِيسَ وَالْمَلَائِكَةَ ، وَرَدَّتِ الْأَمْرَ إِلَى مُجَرَّدِ قُوًى نَفْسَانِيَّةٍ وَأُمُورٍ مَعْنَوِيَّةٍ .
وَقَالَتِ
الْجَبْرِيَّةُ ، وَمُنْكِرُو الْعِلَلِ وَالْحُكْمِ : هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ إِنَّمَا تَرِدُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ لِعِلَّةٍ أَوْ غَرَضٍ أَوْ لِغَايَةٍ ، فَأَمَّا مَنْ لَا عِلَّةَ لِفِعْلِهِ وَلَا غَايَةَ وَلَا غَرَضَ ، بَلْ يَفْعَلُ بِلَا سَبَبٍ فَإِنَّمَا مَصْدَرُ مَفْعُولَاتِهِ مَحْضُ مَشِيئَتِهِ وَغَايَتُهَا مُطَابَقَتُهَا بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ ، فَيَجِيءُ فِعْلُهُ عَلَى وَفْقِ إِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ فَاسِدَةٌ كُلُّهَا ، إِذْ مَبْنَاهَا عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ تَعْلِيلُ أَفْعَالِ مَنْ لَا تُعَلَّلُ أَفْعَالُهُ وَلَا يُوَصَفُ بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ عَقْلِيَّيْنِ ، بَلِ الْحَسَنُ مَا فَعَلَهُ أَوْ مَا يَفْعَلُهُ فَكُلُّهُ حَسَنٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) ، قَالُوا : وَالْقُبْحُ وَالظُّلْمُ هُوَ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، فَأَمَّا تَصَرُّفُ الْمَلِكِ الْحَقِّ فِي مُلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ حِجْرِ حَاجِرٍ أَوْ أَمْرِ آمِرٍ أَوْ نَهْيِ نَاهٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ظُلْمًا وَلَا قَبِيحًا ، فَرَفَعَ هَؤُلَاءِ الْأَسْئِلَةَ مِنْ أَصْلِهَا وَالْتَزَمُوا لَوَازِمَ هَذَا الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَلَا يَقْبُحُ مِنْهُ مُمْكِنٌ .
وَقَالَتِ
الْقَدَرِيَّةُ : هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى أُصُولِنَا ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28836_28785أُصُولِ الْجَبْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ ، وَطَاعَتُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ وَإِيمَانُهُمْ وَكُفْرُهُمْ ، وَأَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَعَلِمَهُ مِنْهُمْ وَخَلَقَهُمْ لَهُ ، فَخَلَقَ أَهْلَ الْكُفْرِ لِلْكُفْرِ ، وَأَهْلَ الْفُسُوقِ لِلْفُسُوقِ ، قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَشَاءَهُ مِنْهُمْ وَخَلَقَهُ فِيهِمْ ، فَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَارِدَةٌ
[ ص: 223 ] عَلَيْهِمْ ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّضَهُمْ لِلطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ وَمَكَّنَهُمْ مِنْهُ وَرَضِيَهُ لَهُمْ وَأَحَبَّهُ ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْكُفْرَ وَالْعِصْيَانَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجْبِلْهُمْ عَلَيْهِ وَلَا شَاءَهُ مِنْهُمْ وَلَا كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا قَدَّرَهُ ، وَلَا خَلَقَهُمْ لَهُ وَلَا خَلَقَهُ فِيهِمْ ، وَلَكِنَّهَا أَعْمَالٌ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ وَشُرُورٌ هُمْ لَهَا فَاعِلُونَ ، فَإِنَّمَا خَلَقَ إِبْلِيسَ لِطَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ ، وَلَمْ يُخْلَقْ لِمَعْصِيَتِهِ وَالْكُفْرِ بِهِ ، وَصَرَّحَ قُدَمَاءُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ إِبْلِيسَ حِينَ خَلَقَهُ أَنَّهُ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا صَدَرَ ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَخْلُقْهُ ، وَأَبَى مُتَأَخِّرُونَ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : بَلْ كَانَ سُبْحَانَهُ عَالِمًا بِهِ وَخَلَقَهُ امْتِحَانًا لِعِبَادِهِ لِيَظْهَرَ الْمُطِيعُ لَهُ مِنَ الْعَاصِي ، وَالْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ ، وَلِيُثِيبَ عِبَادَهُ عَلَى مُعَادَاتِهِ وَمُحَارَبَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ أَفْضَلَ الثَّوَابِ ، قَالُوا : وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ اقْتَضَتْ بَقَاءَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا ، قَالُوا : وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِيُطِيعَهُ فَيُثِيبَهُ ، فَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْكُفْرَ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ مِنَ الرَّبِّ وَلَا إِلْجَاءٍ لَهُ إِلَى ذَلِكَ ، وَلَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّجُودِ ، وَلَا سَلَّطَ عَلَى
آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ قَهْرًا ، وَقَدِ اعْتَرَفَ عَدُوُّ اللَّهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=21وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) قَالُوا : فَانْدَفَعَتْ تِلْكَ الْأَسْئِلَةُ وَظَهَرَ أَنَّهَا تَرِدُ عَلَى أُصُولِ
الْجَبْرِيَّةِ لَا عَلَى أُصُولِنَا .
وَقَالَتِ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ ، حِزْبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ : كَيْفَ يَطْمَعُ فِي الرَّدِّ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ مَنْ قَدْ شَارَكَهُ فِي أَصْلِهِ وَفِي بَعْضِ شُبَهِهِ ، فَإِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ أَصْلُ مُعَارَضَةِ النَّصِّ بِالرَّأْيِ ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَأْصِيلِهِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَأَمْثَالُهَا ، فَمَنْ عَارَضَ النَّقْلَ بِالْعَقْلِ فَهُوَ شَرِيكُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الرَّدِّ التَّامِّ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَمَّا شَارَكَهُ زَنَادِقَةُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَالطَّبَائِعِيِّينَ فِي هَذَا الْأَصْلِ أَنْكَرُوا وُجُودَهُ وَوُجُودَ
آدَمَ وَالْمَلَائِكَةِ ، فَضْلًا عَنْ قِصَّةِ أَمْرِهِ بِالسُّجُودِ وَإِبَائِهِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ، وَلَمَّا أَنْكَرَتِ
الْجَبْرِيَّةُ الْحُكْمَ وَالتَّعْلِيلَ وَالْأَسْبَابَ عَجَزُوا عَنْ جَوَابِ أَسْئِلَةٍ وَسَدُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بَابَ اسْتِمَاعِهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا ، وَفَتَحُوا بَابَ مُكَابَرَةِ الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ فِي إِنْكَارِ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ ، وَإِنْكَارِ الْأَسْبَابِ وَالْقُوَى وَالطَّبَائِعِ وَالْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا يَفْعَلُ الرَّبُّ مَا يَفْعَلُهُ ، وَجَوَّزُوا عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَنْ يَأْمُرَ بِجَمِيعِ مَا نَهَى عَنْهُ وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ الْبَتَّةَ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ ، وَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَلَكِنَّ هَذَا صَارَ حَسَنًا بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَذَاتِهِ حَسَنٌ ، وَهَذَا صَارَ قَبِيحًا بِنَهْيِهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَذَاتِهِ قَبِيحٌ .
[ ص: 224 ] وَلَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28785_30239وَصَلَتِ الْقَدَرِيَّةُ إِنْكَارَ عُمُومِ قُدْرَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَمَشِيئَتِهِ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ ، وَأَخْرَجَتْ أَفْعَالَ عَبْدِهِ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ لِخَلْقِهِ ، وَأَثْبَتَتْ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيعَةً بِعُقُولِهِمْ حَكَمَتْ عَلَيْهِ بِهَا ، وَاسْتَحْسَنَتْ مِنْهُ مَا اسْتَحْسَنَتْ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَاسْتَقْبَحَتْ مِنْهُ مَا اسْتَقْبَحَتْهُ مِنْ أَنْفُسِهَا ، وَعَارَضَتْ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى خِلَافِ مَا أَصَّلُوهُ وَبَيْنَ الْعَقْلِ ، ثُمَّ رَامُوا الرَّدَّ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ فَعَجَزُوا عَنِ الرَّدِّ التَّامِّ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِ كُلَّ الرَّدِّ مَنْ تَلَقَّى أُصُولَهُ عَنْ مِشْكَاةِ الْوَحْيِ وَنُورِ النُّبُوَّةِ ، وَلَمْ يُؤَصِّلْ أَصْلًا بِرَأْيِهِ .
فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْئِلَةَ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى
مُوسَى وَعِيسَى مُخْبِرًا بِهَا عَنْ عَدُوِّهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ بِكَثِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ وَأَفْعَالِهِ ، وَإِدْخَالُ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَهَا فِي تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، كَمَا نَجِدُ بِالْمُسْلِمِينَ مَنْ يُدْخِلُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ وَالْقِصَصِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ الْأُمَمِ عُلُومًا وَعُقُولًا ، فَمَا الظَّنُّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ؟
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ لِعَدُوِّ اللَّهِ : قَدْ نَاقَضْتَ فِي أَسْئِلَتِكَ مَا اعْتَرَفْتَ بِهِ غَايَةَ الْمُنَاقَضَةِ ، وَجَعَلْتَ مَا أَسْلَفْتَ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالِاعْتِرَافِ مُبْطِلًا لِجَمِيعِ أَسْئِلَتِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْجَوَابِ عَنْهَا قَبْلَ ذِكْرِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّكَ قُلْتَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=40إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) فَاعْتَرَفْتَ بِأَنَّهُ رَبُّكَ وَخَالِقُكَ وَمَالِكُكَ ، وَأَنَّكَ مَخْلُوقٌ لَهُ مَرْبُوبٌ تَحْتَ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَإِنَّمَا شَأْنُكَ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي نَفْسِكَ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ الْمَنْهِيِّ الْمُسْتَعْذِبِ لِأَوَامِرِ سَيِّدِهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَهَذِهِ الْغَايَةُ الَّتِي خُلِقْتَ لَهَا ، وَهِيَ غَايَةُ الْخَلْقِ وَكَمَالُ سَعَادَتِهِمْ ، وَهَذَا الِاعْتِرَافُ مِنْكَ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ يَتَضَمَّنُ إِقْرَارَكَ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَغِنَاهُ ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَا أَقَرَّ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لَمْ يَأْمُرْ عَبْدَهُ لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدَهُ ، وَلَا نَهَاهُ بُخْلًا عَلَيْهِ بِمَا نَهَاهُ ، بَلْ أَمَرَهُ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِ وَإِحْسَانًا إِلَيْهِ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَمَا لَا صَلَاحَ لَهُ إِلَّا بِهِ ، وَنَهَاهُ عَمَّا فِي ارْتِكَابِهِ فَسَادُهُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ ، فَكَانَتْ نِعْمَتُهُ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ أَعْظَمَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ بِمَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَلِبَاسِهِ وَصِحَّةِ بَدَنِهِ بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِي آخِرِ فَصْلٍ مَعَ الْأَبَوَيْنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ لِبَاسَ التَّقْوَى وَزِينَتَهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ وَالرِّيشِ وَالْجَمَالِ الظَّاهِرِ .
[ ص: 225 ] فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ عَبْدَهُ وَجَمَّلَ ظَوَاهِرَهُمْ بِأَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، وَجَمَّلَ بَوَاطِنَهُمْ بِهِدَايَتِهِمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ صُورَتُكَ قَبْلَ مَعْصِيَةِ رَبِّكَ مِنْ أَحْسَنِ الصُّوَرِ ، وَأَنْتَ مَعَ مَلَائِكَتِهِ الْأَكْبَرِينَ ، فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ جَعَلَ صُورَتَكَ وَشَنَاعَةَ مَنْظَرِكَ مَثَلًا يُضْرَبُ لِكُلِّ قَبِيحٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=65طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ) فَهَذِهِ أَوَّلُ نَقْدَةٍ تَعَجَّلْتَهَا مِنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَأَعْلَمُ الْعَالِمِينَ وَأَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرِ الْعِبَادَ إِلَّا بِمَا فِعْلُهُ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَصْلَحُ وَأَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ تَرْكِهِ فَأَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ لِمَصْلَحَةٍ عَائِدَةٍ عَلَيْهِمْ ، كَمَا رَزَقَهُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ النِّعَمِ ، فَالسُّعَدَاءُ اسْتَعْمَلُوا أَمْرَهُ وَشَرْعَهُ لِحِفْظِ صِحَّةِ قُلُوبِهِمْ وَكَمَالِهِ وَصَلَاحِهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ رِزْقَهُ لِحِفْظِ صِحَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَصَلَاحِهَا ، وَتَيَقَّنُوا أَنَّهُ كَمَا لَا بَقَاءَ لِلْبَدَنِ وَلَا صِحَّةَ وَلَا صَلَاحَ إِلَّا بِتَنَاوُلِ غِذَائِهِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ ، فَكَذَلِكَ لَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَالرُّوحِ ، وَلَا فَلَاحَ وَلَا نَعِيمَ إِلَّا بِتَنَاوُلِ غِذَائِهِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ .
هَذَا وَإِنْ أَلْقَيْتَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ ، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا خَيْرَ ، وَلَا فَرْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ فِعْلِ هَذَا وَتَرْكِ هَذَا ، وَلَكِنْ أُمِرُوا وَنُهُوا لِمُجَرَّدِ الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِيَارِ وَلَا فَرْقَ ، فَلَمْ يُؤْمَرُوا بِحَسَنٍ وَلَمْ يُنْهَوْا عَنْ قَبِيحٍ ، بَلْ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا حَسَنٌ وَلَا قَبِيحٌ ، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِكَ وَأَمْرِهِمْ أَنَّكَ أَوْحَيْتَ إِلَيْهِمْ هَذَا فَرَدُّوا بِهِ عَلَيْكَ فَجَعَلُوهُ جَوَابَ أَسْئِلَتِكَ فَدَفَعُوهَا كُلَّهَا ، وَقَالُوا : إِنَّمَا تَتَوَجَّهُ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ فِي حَقِّ مَنْ يَفْعَلُ لِعِلَّةٍ أَوْ غَرَضٍ ، وَأَمَّا مَنْ فِعْلُهُ بَرِيءٌ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَغْرَاضِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ حَقًّا فَقَدِ انْدَفَعَتْ أَسْئِلَتُكَ كُلُّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا وَالْحَقُّ فِي خِلَافِهَا فَقَدْ بَطَلَتْ أَسْئِلَتُكَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ ، يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ تَقُولَ لِعَدُوِّ اللَّهِ : إِمَّا أَنْ تُسَلِّمَ حُكْمَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ ، وَإِمَّا أَنْ تَجْحَدَهُ وَتُنْكِرَهُ ، فَإِنْ سَلَّمْتَهَا وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَكِيمٌ فِي خَلْقِكَ حَكِيمٌ فِي أَمْرِكَ بِالسُّجُودِ ، بَطَلَتِ الْأَسْئِلَةُ وَكُنْتَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّكَ أَوْرَدْتَهَا عَلَى مَنْ تُبْهِرُ حِكْمَتُهُ الْعُقُولَ ، فَبِتَسْلِيمِكَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ الَّتِي لَا سَبِيلَ لِلْمَخْلُوقِينَ إِلَى الْمُشَارَكَةِ فِيهَا يَعُودُ عَلَى أَسْئِلَتِكَ الْفَاسِدَةِ بِالنَّقْضِ ، وَإِنْ رَجَعْتَ عَنِ الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْحِكْمَةِ ، وَقُلْتَ : لَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ الْبَتَّةَ بَلْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) فَمَا وَجْهُ إِيرَادِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ عَلَى مَنْ لَمْ
[ ص: 226 ] يَفْعَلْ لِحِكْمَةٍ ؟ فَقَدْ أَوْرَدْتَ الْأَسْئِلَةَ عَلَى مَنْ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَطَعَنْتَ فِي حِكْمَةِ مَنْ كُلُّ أَفْعَالِهِ حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَعَدْلٌ وَخَيْرٌ بِمَعْقُولِكَ الْفَاسِدِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28661_31753اللَّهَ فَطَرَ عِبَادَهُ ، حَتَّى الْحَيَوَانَ ، عَلَى اسْتِحْسَانِ وَضْعِ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ فِي وَقْتِهِ وَحُصُولِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ ، وَعَلَى اسْتِقْبَاحِ ضِدِّ ذَلِكَ وَخِلَافِهِ ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ دَالٌّ عَلَى كَمَالِ فَاعِلِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَضِدُّهُ دَالٌّ عَلَى نَقْصِهِ ، وَهَذِهِ فِطْرَةٌ لَا يُمْكِنُهُمُ الْخُرُوجُ عَنْ مُوجِبِهَا ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا الَّتِي لَا يَلِيقُ بِهَا سِوَاهَا ، وَيَخُصُّهَا مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَشْكَالِ وَالْهَيْئَاتِ وَالْمَقَادِيرِ بِمَا هُوَ أَنْسَبُ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَبْرَزُهَا فِي أَوْقَاتِهَا الْمُنَاسِبَةِ لَهَا ، وَمَنْ لَهُ نَظَرٌ صَحِيحٌ وَأَعْطَى التَّأَمُّلَ حَقَّهُ شَهِدَ ذَلِكَ فِيمَا رَآهُ وَعَلِمَهُ ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا شَاهَدَهُ عَلَى مَا خَفِيَ عَنْهُ ، وَقَدْ نَدَبَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=21وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) .