( فصل ) :
وأما بيان مكان الحضانة مكان الزوجين إذا كانت الزوجية بينهما قائمة حتى لو أراد الزوج أن يخرج من البلد وأراد أن يأخذ ولده الصغير ممن له الحضانة من النساء له ذلك حتى يستغني عنها لما ذكرنا أنها أحق بالحضانة منه فلا يملك انتزاعه من يدها لما فيه من إبطال حقها فضلا عن الإخراج من البلد وإن أرادت المرأة أن تخرج من المصر الذي هي فيه إلى غيره فللزوج أن يمنعها من الخروج سواء كان معها ولد أو لم يكن ; لأن عليها المقام في بيت زوجها ، وكذلك إذا كانت معتدة لا يجوز لها الخروج مع الولد وبدونه ولا يجوز للزوج إخراجها لقوله عز وجل { فمكان الحضانة لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة }
وأما فهذا على أقسام : إن أرادت أن تخرج إلى بلدها وقد وقع النكاح فيه ; فلها ذلك مثل أن تزوج كوفية إذا كانت منقضية العدة فأرادت أن تخرج بولدها من البلد الذي هي فيه إلى بلد بالكوفة ثم نقلها إلى الشام فولدت أولادا ثم وقعت الفرقة بينهما وانقضت العدة فأرادت أن تنقل أولادها إلى الكوفة فلها ذلك ; لأن المانع هو ضرر التفريق بينه وبين ولده وقد رضي به لوجود دليل الرضا وهو التزوج بها في بلدها ; لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه والولد من ثمرات النكاح فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك فكان راضيا بالتفريق إلا أن النكاح ما دام قائما يلزمها اتباع الزوج فإذا زال فقد زال المانع وإن وقع النكاح في غير بلدها لم يكن لها أن تنتقل بولدها إلى بلدها بأن تزوج امرأة كوفية بالشام فوقعت الفرقة فأرادت أن تنقل ولدها إلى الكوفة ; لم يكن لها ذلك ; لأنه إذا لم يقع النكاح في بلدها لم توجد دلالة الرضا بالمقام في بلدها فلم يكن راضيا بحضانة الولد فيه فلم يكن راضيا بضرر التفريق ، ولو أرادت أن تنقل الولد إلى بلد ليس ذلك ببلدها ولكن وقع النكاح فيه كما إذا تزوج كوفية بالشام فنقلها إلى البصرة فوقعت الفرقة بينهما فأرادت أن تنتقل بأولادها إلى الشام ليس لها ذلك كذا ذكر في الأصل ; لأن ذلك البلد الذي وقع فيه النكاح ليس ببلدها ولا بلد الزوج بل هو دار غربة لها كالبلد الذي فيه الزوج فلم يكن النكاح فيه دليل الرضا بالمقام فيه فلم يكن راضيا بحضانة الولد الذي هو من ثمرات النكاح فيه فلم يكن راضيا بضرر التفريق فاعتبر في الأصل شرطين : أحدهما : أن يكون البلد الذي تريد أن تنقل إليه الولد بلدها ، والثاني : وقوع النكاح فيه فما لم يوجدا لا يثبت لها ولاية النقل .
وروي عن أن لها ذلك واعتبر مكان العقد فقط ، وإليه أشار أبي يوسف في الجامع الصغير فقال : وإنما أنظر في هذا إلى عقدة النكاح أين وقعت ؟ وهكذا اعتبر محمد الطحاوي والخصاف اتباعا لقول في الجامع وهذا غير سديد ; لأن محمد وإن أجمل المسألة في الجامع فقد فصلها في الأصل على الوجه الذي وصفنا والمجمل يحمل على المفسر وقد يكون المفسر بيانا للمجمل كالنص [ ص: 45 ] المجمل من الكتاب والسنة إذا لحق به التفسير أنه يصير مفسرا من الأصل كذا هذا ، والله عز وجل الموفق . محمدا
هذا إذا كانت المسافة بين البلدين بعيدة ، فإن كانت قريبة بحيث يقدر الأب أن يزور ولده ويعود إلى منزله قبل الليل فلها ذلك ; لأنه لا يلحق الأب كبير ضرر بالنقل بمنزلة النقل إلى أطراف البلد .
وأما أهل السواد فالحكم في السواد كالحكم في المصر في جميع الفصول إلا في فصل واحد .
وبيانه : أن النكاح إذا وقع في الرستاق فأرادت المرأة أن تنقل الصبي إلى قريتها فإن كان أصل النكاح وقع فيها ; فلها ذلك كما في المصر لما قلنا ، وإن كان وقع في غيرها فليس لها نقله إلى قريتها ولا إلى القرية التي وقع فيها النكاح إذا كانت بعيدة لما ذكرنا في المصر وإن كانت قريبة - على التفسير الذي ذكرنا - ; فلها ذلك كما في المصر وإن كان الأب متوطنا في المصر فأرادت نقل الولد إلى القرية فإن كان تزوجها فيها وهي قريتها فلها ذلك وإن كانت بعيدة عن المصر لما ذكرنا في المصر وإن لم تكن تلك قريتها فإن كانت قريته ووقع فيها أصل النكاح فلها ذلك كما في المصر ، وإن كان لم يقع النكاح فيها فليس لها ذلك ، وإن كانت قريبة من المصر بخلاف المصرين ; لأن أخلاق أهل السواد لا تكون مثل أخلاق أهل المصر بل تكون أجفى فيتخلق الصبي بأخلاقهم فيتضرر به ولم يوجد من الأب دليل الرضا بهذا الضرر ; إذ لم يقع أصل النكاح في القرية والله عز وجل أعلم ، وليس للمرأة أن تنقل ولدها إلى دار الحرب وإن كان قد تزوجها هناك وكانت حربية بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا ; لأن في ذلك إضرارا بالصبي ; لأنه يتخلق بأخلاق الكفرة فيتضرر به وإن كان كلاهما حربيين فلها ذلك ; لأن الصبي تبع لهما وهما من أهل دار الحرب ، والله عز وجل أعلم وهو الموفق .