وأما الذي يرجع إليهما جميعا فهو الملك ; إذ المالك والمملوك من الأسماء الإضافية والعلاقة التي تدور عليها الإضافة من الجانبين هي الملك فكون المعتق مملوك المعتق رقبة وقت ثبوت العتق شرط ثبوته فيحتاج في هذا الفصل إلى وإلى بيان أنه : هل يشترط أن يكون مملوكه وقت الإعتاق وهو التكلم بالعتق أم لا ؟ وإلى بيان من [ ص: 57 ] يدخل تحت مطلق اسم المملوك في الإعتاق المضاف إليه ومن لا يدخل أما الأول : فالدليل على اعتبار هذا الشرط قول النبي صلى الله عليه وسلم { بيان كون المعتق مملوك المعتق رقبة وقت ثبوت العتق شرط ثبوته } ولأن زوال ملك المحل شرط ثبوت العتق فيه ولا بد للزوال من سابقة الثبوت وعلى هذا يخرج إعتاق عبد الغير بغير إذنه ; إذ لا ينفذ لعدم الملك ولكن يتوقف على إجازة المالك عندنا وعند لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم لا يتوقف وهي مسألة تصرفات الفضولي وموضعها كتاب البيوع وكذا العبد المأذون لا يملك الإعتاق وكذا المكاتب ; لانعدام ملك الرقبة وكذا لو اشترى العبد المأذون أو المكاتب ذا رحم منه ; لا يعتق عليه لما قلنا ، ولو الشافعي فإن لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته عتق عليه ; لأنه إذا لم يكن عليه دين فقد ملكه المولى فيعتق عليه كما لو اشتراه بنفسه وإن كان عليه دين مستغرق لرقبته ; لا يعتق عند اشترى العبد المأذون ذا رحم محرم من مولاه وعند أبي حنيفة أبي يوسف يعتق بناء على أن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده وعندهما يملك وهي من مسائل المأذون ، ولو ومحمد أو ذا رحم محرم من مولاه ; لم يعتق في قولهم جميعا ; لأن المولى لم يملكه ; لأنه من كسب المكاتب والمولى لا يملك أكساب مكاتبه فلا يعتق ، ولو اشترت المكاتبة ابنها من سيدها عتق ; لأن إعتاق المولى ينفذ في المكاتبة وولدها فيعتق من طريق الحكم لأجل النسب ويجوز إعتاق المولى المكاتب والعبد المأذون والمشترى قبل القبض والمرهون والمستأجر لقيام ملك الرقبة وكذا العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر إذا أعتقه الموصى له بالرقبة لما قلنا ، وعلى هذا الأصل يخرج قول اشترى المكاتب ابنه من مولاه في الحربي إذا أعتق عبدا حربيا له في دار الحرب أنه يعتق لقيام الملك . أبي يوسف
وأما عند أبي حنيفة فلا يعتق ولا خلاف في أنه إذا أعتقه وخلى سبيله يعتق منهم من قال : لا خلاف في العتق أنه يعتق ، وإنما الخلاف في الولاء أنه هل يثبت منه أم لا ؟ ذكر ومحمد عن الطحاوي أن للعبد أن يوالي من شاء ولا يكون ولاؤه للمعتق ، والصحيح أن الخلاف ثابت في العتق فإنهم قالوا في الحربي إذا دخل إلينا ومعه مماليك فقال : هم مدبرون : إنه لا يقبل قوله ، وإن قال : هم أولادي أو هن أمهات أولادي قبل قوله ; فهذا يدل على أن التدبير لا يثبت في دار الحرب ، ورواية أبي حنيفة عن الطحاوي محمولة على ما إذا خرج إلى دار الإسلام ، وإذا خرج إلى دار الإسلام فلا ولاء له عليه عندهما ; لأنه لم يعتق بإعتاقه وإنما عتق بخروجه إلى دار الإسلام وعند أبي حنيفة عتق بإعتاق مولاه له ، وجه قول أبي يوسف في مسألة العتق أنه أعتق ملك نفسه فيعتق كما لو باعه وكما لو كان في دار الإسلام فأعتق عبدا له حربيا أو مسلما أو ذميا وكالمسلم إذا أعتق عبده المسلم في دار الحرب ولا شك أنه أعتق ملك نفسه ; لأن أموال أهل الحرب أملاكهم حقيقة . أبي يوسف
ألا ترى أنهم يرثون ويورث عنهم ، ولو كانت جارية يصح من الحربي استيلاؤها إلا أنه ملك غير معصوم ولهما أن إعتاق الحربي عبده الحربي في دار الحرب بدون التخلية لا يفيد معنى العتق ; لأن العتق عبارة عن قوة حكمية تثبت للمحل يدفع بها يد الاستيلاء والتملك عن نفسه ، وهذا لا يحصل بهذا الإعتاق بدون التخلية ; لأن يده عليه تكون قائمة حقيقة وملك أهل الحرب في دار الحرب في ديانتهم بناء على القهر الحسي والغلبة الحقيقية حتى إن العبد إذا قهر مولاه فاستولى عليه ; ملكه ، وإذا لم توجد التخلية كان تحت يده وقهره حقيقة فلا يظهر معنى العتق .
هذا معنى قول المشايخ معتق بلسانه مسترق بيده بخلاف ما إذا أعتق في دار الإسلام ; لأن يد الاستيلاء والتملك تنقطع بثبوت العتق في دار الإسلام فيظهر معنى العتق وهو القوة الدافعة يد الاستيلاء وبخلاف المسلم إذا أعتق عبده المسلم في دار الحرب ; لأن المسلم لا يدين الملك بالاستيلاء والغلبة الحقيقية ، ولو كان عبده حربيا فأعتقه المسلم في دار الحرب يعتق من غير تخلية استحسانا ، والقياس أن لا يعتق عندهما كالحربي إذا أعتق عبده الحربي في دار الحرب ومنهم من جعل المسألة على الاختلاف وعلى هذا الخلاف إذا ملك الحربي في دار الحرب ذا رحم محرم منه أنه لا يعتق عند أبي حنيفة وعند ومحمد يعتق ; لأن ملك القريب يوجب العتق فكان الخلاف فيه كالخلاف في الإعتاق . أبي يوسف