الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال لها : إن ولدت ما في بطنك فهو حر فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم حلف عتق ما في بطنها وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يعتق ; لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر تيقنا بكونه موجودا وقت التعليق لأن الولد لا يولد لأقل من ستة أشهر فتيقنا بكونه داخلا تحت الإيجاب وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن بوجوده بل يحتمل أن لا يكون موجودا ثم وجد بعد فلا يدخل تحت الإيجاب مع الشك وكذا إذا قال لها : ما في بطنك حر إلا أن ههنا يعتق من يوم حلف وفي الفصل الأول : يوم تلد لأن هناك شرط الولادة ولم تشترط ههنا ولو قال لها : إذا حملت فأنت حرة فولدت لأقل من سنتين أو لسنتين من وقت الكلام لا تعتق وإن ولدت لأكثر من سنتين تعتق ; لأن يمينه تقع على حمل يحدث بعد اليمين فإذا ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين ; يحتمل أنها كانت حبلى من وقت الكلام لا تعتق وإن ولدت لأكثر من سنتين أو لسنتين يحتمل أنها كانت حبلى وقت اليمين ويحتمل أنه حدث الحمل بعد اليمين فيقع الشك في شرط ثبوت الحرية فلا تثبت الحرية مع الشك ، فأما إذا ولدت لأكثر من سنتين فقد تيقنا أن الحمل حصل بعد اليمين لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فقد وجد شرط العتق وهو الحمل بعد اليمين فيعتق .

                                                                                                                                فإن قيل : أليس أن من أصلكم أن الوطء إذا كان مباحا تقدر مدة الحبل بستة أشهر فهلا قدرتم ههنا كذلك ؟ فالجواب أن : هذا من أصلنا فيما لم يكن فيه إثبات رجعة أو إعتاق بالشك ولو جعلنا مدة الحمل ههنا ستة أشهر لكان فيه إثبات العتق بالشك وهذا لا يجوز ثم إن ولدت بعد المقالة لأكثر من سنتين [ ص: 65 ] حتى عتقت وقد كان وطئها قبل الولادة فإن وطئها قبل الولادة لأقل من ستة أشهر ; فعليه العقر وإن وطئها قبل الولادة لستة أشهر فصاعدا لا عقر عليه ; لأنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر منذ وطئها علم أنه وطئها وهي حامل ; لأن الحمل لا يكون أقل من ستة أشهر فإذا وضعت لأقل من ستة أشهر بعد الوطء ; علم أن العلوق حصل قبل هذا الوطء فيجب عليه العقر ; لأنه علم أنه وطئها بعد ثبوت الحرية ، فإذا ولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطء يحتمل أن الحمل حصل بذلك الوطء فلا يجب العقر ; لأن الوطء لم يصادف الحرية ويحتمل أنه حصل بوطء قبله فيجب العقر فيقع الشك في وجوب العقر فلا يجب مع الشك وينبغي في الورع والتنزه إذا قال لها هذه المقالة ثم وطئها أن يعتزلها حتى يعلم أحامل أم لا فإن حاضت وطئها بعد ما طهرت من حيضها لجواز أنها قد حملت بذلك الوطء فعتقت فإذا وطئها بعد ذلك كان وطء الحرة فيكون حراما فيعتزلها صيانة لنفسه عن الحرام ، فإذا حاضت تبين أن الحمل لم يوجد إذ الحامل لا تحيض ولهذا تستبرأ الجارية المشتراة بحيضة لدلالتها على فراغ الرحم ، ولو باع هذه الجارية قبل أن تلد ثم ولدت في يد المشتري ينظر : إن ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين بعد اليمين ; يصح البيع لجواز أن الولد حدث بعد اليمين فلا يبطل البيع بالشك وإن ولدت لأقل من سنتين بعد اليمين ينظر : إن كان ذلك لأقل من ستة أشهر قبل البيع لا يجوز البيع ; لأنه حدث الولد قبل البيع فعتقت هي وولدها ، وبيع الحر لا يجوز وإن كان ذلك لستة أشهر فصاعدا من وقت البيع فإنها لا تعتق ; لأن من الجائز أن الولد حدث بعد البيع والبيع قد صح فلا يفسخ بالشك ، ولو قال لها : إن كان حملك غلاما فأنت حرة وإن كان جارية فهي حرة فكان حملها غلاما وجارية لم يعتق أحد منهم ; لأن الحمل اسم لجميع ما في الرحم قال الله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } والمراد منه : جميع ما في البطن حتى لا تنقضي العدة إلا بوضع جميع ما في الرحم وليس كل الحمل الغلام وحده ولا الجارية وحدها بل بعضه غلام وبعضه جارية فصار كأنه قال : إن كان كل حملك غلاما فأنت حرة ، وإن كان كل حملك جارية فهي حرة فولدت غلاما وجارية فلا يعتق أحدهم ، وكذلك لو قال : إن كان ما في بطنك لأن هذا عبارة عن جميع ما في بطنها ولو قال : إن كان في بطنك عتق الغلام والجارية لأن قوله : إن كان في بطنك غلام ليس عبارة عن جميع ما في البطن بل يقتضي وجوده وقد وجد غلام ووجد أيضا جارية فعتقا ولو قال لها : إن كنت حبلى فأنت حرة فولدت لأقل من ستة أشهر فهي حرة وولدها ، وإن ولدت لستة أشهر أو أكثر لم يعتق لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فإذا أتت لأقل من ستة أشهر علم أن الحمل كان موجودا وقت اليمين فتعتق الأم لوجود شرط عتقها وهو كونها حاملا وقت اليمين ويعتق الحمل بعتقها تبعا لها ، وإذا أتت لستة أشهر أو أكثر يحتمل أن يكون بحمل حادث بعد اليمين فلا يعتق ويحتمل أن يكون بحمل موجود وقت اليمين فيعتق فوقع الشك في العتق فلا يعتق مع الشك ومن هذا القبيل التدبير والاستيلاد ; لأن كل واحد منهما تعليق العتق بشرط الموت إلا أن التدبير : تعليق بالشرط قولا ، والاستيلاد : تعليق بالشرط فعلا لكن الشرط فيهما يدخل على الحكم لا على السبب ولكل واحد منهما كتاب مفرد .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية