الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما النوع الثاني وهو ما يتعلق به بعد موت المولى .

                                                                                                                                فهو أن المولى إذا قال لعبديه : أحدكما حر لا ينوي أحدهما بعينه ثم مات قبل الاختيار عتق من كل واحد منهما نصفه ; لأنه وقع اليأس عن البيان والاختيار ، إذ لا يمكنه ذلك بنفسه وهذا الخيار لا يورث حتى يقوم الوارث فيه مقامه فيشيع العتق فيهما ، إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما نصفه مجانا ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ، وفصل الشيوع دليل نزول العتق في أحدهما ، إذ الثابت تشييع والموت ليس بإعتاق ، علم أن الكلام السابق وقع تنجيزا للعتق في أحدهما ثم فرق بين هذا الخيار وبين خيار التعيين في باب البيع ; لأن الوارث هناك يقوم مقام الموت في البيان ، وههنا لا .

                                                                                                                                ووجه الفرق أن هناك ملك المشتري أحد العبدين مجهولا ، إذ كل واحد منهما محل للملك ، فإذا مات فالوارث ورث منه عبدا مجهولا ، فمتى جرى الإرث ثبت ولاية التعيين ، أما ههنا فأحدهما حر أو استحق الحرية وذلك يمنع جريان الإرث في أحدهما فيمنع ولاية التعيين ، هذا إذا كان المزاحم له محتملا للعتق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه ، فأما إذا كان ممن لا ينفذ إعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره فقال : أحدكما حر لا يعتق عبده إلا بالنية ; لأن قوله أحدكما يحتمل كل واحد منهما ; لأن عبد الغير قابل للعتق في نفسه ومحتمل لنفوذ الإعتاق فيه في الجملة فلا ينصرف إلى عبد نفسه إلا بالنية ، وإن كان المزاحم ممن لا يحتمل العتق أصلا ، كما إذا جمع بين عبده وبين بهيمة أو حائط أو حجر فقال : أحدكما حر ، أو قال : عبدي حر ، أو هذا وهذا فإن عبده يعتق في قول أبي حنيفة نوى أو لم ينو ، وقال أبو يوسف ومحمد : لا يعتق إلا بالنية ، وكذا إذا جمع بين عبده وبين ميت وقد ذكرنا الكلام في هذه الجملة في كتاب الطلاق وعلى هذا إذا جمع بين عبده وبين حر فقال : أحدكما حر ، أنه لا يعتق عبده إلا بالنية ; لأن صيغته صيغة الخبر فيحمل على الإخبار وهو صادق في إخباره مع ما في الحمل عليه تصحيح تصرفه وأنه أصل عند الإمكان فيحمل عليه ، إلا إذا نوى فيحمل على الإنشاء بقرينة النية ، والحر لا يحتمل إنشاء الحرية فينصرف إلى العبد .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية