الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وكذا لو مات المكاتب عن وفاء يؤدى بدل الكتابة إلى المولى ويحكم بعتقه عندنا .

                                                                                                                                وعند الشافعي لا يعتق ويسلم البدل للمولى بناء على أن عقد الكتابة لا ينفسخ بموت المكاتبة عندنا ، كما لا ينفسخ بموت المولى .

                                                                                                                                وعنده ينفسخ بموت [ ص: 155 ] المكاتب ، وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في المكاتب إذا مات عن وفاء أنه يموت حرا أو عبدا ، قال علي رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : يموت حرا فيؤدى بدل كتابته ويحكم بحريته ، وبه أخذ أصحابنا ، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه يموت عبدا والمال كله للمولى ، وبه أخذ الشافعي .

                                                                                                                                وجه قول الشافعي أنه لو عتق لا يخلو إما أن يعتق قبل موته ، وإما أن يعتق بعد موته ، لا سبيل إلى الأول ; لأن العتق معلق بأداء البدل ، والأداء لم يوجد قبل الموت ، ولا سبيل إلى الثاني ; لأن محل العتق قد فات ; لأن محله الرق ، وقد فات بالموت ، وإثبات الشيء في غير محله محال ، فامتنع القول بالعتق ، ولا يقال : إنه يعتق مستندا إلى آخر جزء من أجزاء حياته ، وهو قابل للعتق في ذلك الوقت ; لأن الأصل فيما يثبت مستندا أنه يثبت للحال ، ثم يستند .

                                                                                                                                ألا ترى أن من باع مال الغير توقف على إجازة المالك عندكم ، فإن هلك المال ، ثم أجاز المالك لا تلحقه الإجازة ; لأن الحكم يثبت عند الإجازة مستندا ، فيراعى قيام محل الحكم للحال ، والمحل ههنا لا يحتمل العتق للحال ، فلا يستند ، ولنا ما روي عن قتادة أنه قال : قلت لسعيد بن المسيب : إن شريحا قال في المكاتب إذا مات عن وفاء وعليه دين بدئ بدين الكتابة ، ثم بالدين .

                                                                                                                                فقال سعيد : أخطأ شريح ، وإن كان قاضيا ، فإن زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول : إن المكاتب إذا مات عن وفاء وعليه دين بدئ بالدين ، ثم بالكتابة ، فاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الترتيب والميل على اتفاقهم على بقاء عقد الكتابة بعد الموت ، فرواية قتادة تشير إلى إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما قلنا ، ومثله لا يكذب فلا يعتد بخلاف الشافعي ; لأن العتق في الحقيقة معلق بسلامة البدل للمولى إما صورة ومعنى بالاستيفاء ، وإما معنى لا صورة بأخذ العوض أو الإبراء لا بصورة الأداء من المكاتب ; لأن العتق يثبت من غير أداء أصلا بأخذ المولى وبالإبراء ، وقد سلم البدل للمولى إما صورة ومعنى بالاستيفاء وإما معنى لا صورة بالإبراء أما طريق الاستيفاء فلأن هذا عقد معاوضة بين المولى والمكاتب ، وحكمه في جانب المولى ملك البدل وسلامته ، وفي جانب المكاتب سلامة رقبته بالحرية وسلامة أولاده وأكسابه حال سلامة البدل للمولى ، وفي الحال زوال يد المولى عنه وصيرورته أحق بمنافعه ومكاسبه ، وقد ثبت الملك في المبدل للمولى في ذمة العبد للحال ، حتى لو تبرع عنه إنسان بالأداء وقبل المولى صح ، ولو أبرأه جاز الإبراء ويعتق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية