الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وليس للظئر أن تأخذ صبيا آخر فترضعه مع الأول ، فإن أخذت صبيا آخر فأرضعته مع الأول فقد أساءت وأثمت إن كانت قد أضرت بالصبي ، ولها الأجر على الأول والآخر ، ( أما ) الإثم فلأنه قد استحق عليها كمال الرضاع ، ولما أرضعت صبيين فقد أضرت بأحدهما لنقصان اللبن ، .

                                                                                                                                ( وأما ) استحقاق الأجرة فلأن الداخل تحت العقد الإرضاع مطلقا وقد وجد .

                                                                                                                                وللمسترضع أن يستأجر ظئرا آخر لقوله - عز وجل - : { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف } .

                                                                                                                                نفى الجناح عن المسترضع مطلقا ، فإن أرضعته الأخرى فلها الأجرة أيضا ، فإن استأجرت الظئر ظئرا أخرى فأرضعته أو دفعت الصبي إلى جاريتها فأرضعته فلها الأجر استحسانا ، والقياس أن لا يكون لها الأجر ، وجه القياس أن العقد وقع على عملها فلا تستحق الأجر بعمل غيرها ، كمن استأجر أجيرا ليعمل بنفسه فأمر غيره فعمل لم يستحق الأجرة ، فكذا هذا ، وجه الاستحسان أن إرضاعها قد يكون بنفسها وقد يكون بغيره ; لأن الإنسان تارة يعمل بنفسه ، وتارة بغيره ; ولأن الثانية لما عملت بأمر الأولى وقع عملها للأولى فصار كأنها عملت بنفسها .

                                                                                                                                هذا إذا أطلق ، فأما إذا قيد ذلك بنفسها ليس لها أن تسترضع أخرى ; لأن العقد أوجب الإرضاع بنفسها ، فإن استأجرت أخرى فأرضعته لا تستحق الأجر كما قلنا في الإجارة على الأعمال ، وليس للمسترضع أن يحبس الظئر في منزله إذا لم يشترط ذلك عليها ، ولها أن تأخذ الصبي إلى منزلها ; لأن المكان لم يدخل تحت العقد ، وليس على الظئر طعام الصبي ودواؤه ; لأن ذلك لم يدخل في العقد ، وما ذكره في الأصل أن على الظئر ما يعالج به الصبيان من الريحان والدهن فذلك محمول على العادة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية