ذكر الأجوبة عن هذه المطاعن وبيان بطلانها
وحاصلها أربعة .
أحدها : أن راويتها امرأة لم تأت بشاهدين يتابعانها على حديثها .
الثاني : أن روايتها تضمنت مخالفة القرآن .
الثالث : أن خروجها من المنزل لم يكن لأنه لا حق لها في السكنى ، بل لأذاها أهل زوجها بلسانها .
الرابع : معارضة روايتها برواية أمير المؤمنين . عمر بن الخطاب
ونحن نبين ما في كل واحد من هذه الأمور الأربعة بحول الله وقوته ، هذا مع أن في بعضها من الانقطاع وفي بعضها من الضعف وفي بعضها من البطلان ما سننبه عليه ، وبعضها صحيح عمن نسب إليه بلا شك .
فأما المطعن الأول : وهو ، فمطعن باطل بلا شك ، والعلماء قاطبة على خلافه ، والمحتج بهذا من أتباع الأئمة أول مبطل له ومخالف له فإنهم لا يختلفون في أن السنن تؤخذ عن المرأة كما تؤخذ عن الرجل ، هذا وكم من سنة تلقاها الأئمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة ، وهذه مسانيد نساء الصحابة بأيدي الناس لا تشاء أن ترى فيها سنة تفردت بها امرأة منهن إلا رأيتها ، فما ذنب كون الراوي امرأة دون نساء العالمين ، وقد أخذ الناس بحديث فاطمة بنت قيس فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد في اعتداد المتوفى عنها في بيت [ ص: 476 ] زوجها ، وليست فاطمة بدونها علما وجلالة وثقة وأمانة ، بل هي أفقه منها بلا شك ، فإن فريعة لا تعرف إلا في هذا الخبر ، وأما شهرة فاطمة ودعاؤها من نازعها من الصحابة إلى كتاب الله ومناظرتها على ذلك فأمر مشهور ، وكانت أسعد بهذه المناظرة ممن خالفها كما مضى تقريره ، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يختلفون في الشيء فتروي لهم إحدى أمهات المؤمنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فيأخذون به ويرجعون إليه ويتركون ما عندهم له ، وإنما فضلن على بكونهن أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فهي من المهاجرات الأول وقد رضيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبه وابن حبه فاطمة بنت قيس ، وكان الذي خطبها له . وإذا شئت أن تعرف مقدار حفظها وعلمها فاعرفه من حديث الدجال الطويل الذي حدث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فوعته أسامة بن زيد فاطمة وحفظته ، وأدته كما سمعته ولم ينكره عليها أحد مع طوله وغرابته ، فكيف بقصة جرت لها وهي سببها وخاصمت فيها وحكم فيها بكلمتين وهي : لا نفقة ولا سكنى ، والعادة توجب حفظ مثل هذا وذكره ، واحتمال النسيان فيه أمر مشترك بينها وبين من أنكر عليها ، فهذا عمر قد نسي تيمم الجنب ، وذكره أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما بالتيمم من الجنابة فلم يذكره عمار بن ياسر عمر - رضي الله عنه - وأقام على أن الجنب لا يصلي حتى يجد الماء .
ونسي قوله تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) [ ص: 477 ] [ النساء : 20 ] حتى ذكرته به امرأة فرجع إلى قولها .
ونسي قوله ( إنك ميت وإنهم ميتون ) [ الزمر : 30 ] حتى ذكر به ، فإن كان جواز النسيان على الراوي يوجب سقوط روايته سقطت رواية عمر التي عارضتم بها خبر فاطمة ، وإن كان لا يوجب سقوط روايته بطلت المعارضة بذلك ، فهي باطلة على التقديرين ، ولو ردت السنن بمثل هذا لم يبق بأيدي الأمة منها إلا اليسير ، ثم كيف يعارض خبر فاطمة ويطعن فيه بمثل هذا من يرى ولا يشترط للرواية نصابا ، قبول خبر الواحد العدل وعمر - رضي الله عنه - أصابه في مثل هذا ما أصابه في رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد ، ورد خبر في إملاص المرأة حتى شهد له المغيرة بن شعبة محمد بن مسلمة ، وهذا كان تثبيتا منه - رضي الله عنه - حتى لا يركب الناس الصعب والذلول في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فقد قبل خبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي ، وقبل - رضي الله عنها - عدة أخبار تفردت بها ، وبالجملة فلا يقول أحد : إنه لا يقبل قول الراوي الثقة العدل حتى يشهد له شاهدان لا سيما إن كان من الصحابة . لعائشة