فصل وأما المطعن الثاني : وهو أن روايتها مخالفة للقرآن ، فنجيب بجوابين مجمل ومفصل ، أما المجمل : فنقول : لو كانت مخالفة كما ذكرتم لكانت [ ص: 478 ] مخالفة لعمومه فتكون تخصيصا للعام ، فحكمها حكم تخصيص قوله ( يوصيكم الله في أولادكم ) [ النساء : 11 ] بالكافر والرقيق والقاتل ، وتخصيص قوله ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) [ النساء : 24 ] بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها ونظائره ، فإن القرآن لم يخص البائن بأنها لا تخرج ولا تخرج وبأنها تسكن من حيث يسكن زوجها ، بل إما أن يعمها ويعم الرجعية وإما أن يخص الرجعية .
فإن عم النوعين فالحديث مخصص لعمومه ، وإن خص الرجعيات وهو الصواب للسياق الذي من تدبره وتأمله قطع بأنه في الرجعيات من عدة أوجه قد أشرنا إليها ، فالحديث ليس مخالفا لكتاب الله بل موافق له ، ولو ذكر أمير المؤمنين - رضي الله عنه - بذلك لكان أول راجع إليه ، فإن الرجل كما يذهل عن النص يذهل عن دلالته وسياقه وما يقترن به مما يتبين المراد منه ، وكثيرا ما يذهل عن دخول الواقعة المعينة تحت النص العام واندراجه تحتها ، فهذا كثير جدا ، والتفطن له من الفهم الذي يؤتيه الله من يشاء من عباده ، ولقد كان أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - من ذلك بالمنزلة التي لا تجهل ، ولا تستغرقها عبارة ، غير أن النسيان والذهول عرضة للإنسان ، وإنما الفاضل العالم من إذا ذكر ذكر ورجع .
فحديث فاطمة - رضي الله عنها - مع كتاب الله على ثلاثة أطباق لا يخرج عن واحد منها ، إما أن يكون تخصيصا لعامه . الثاني : أن يكون بيانا لما لم يتناوله ، بل سكت عنه . الثالث : أن يكون بيانا لما أريد به وموافقا لما أرشد إليه سياقه وتعليله وتنبيهه ، وهذا هو الصواب ، فهو إذن موافق له لا مخالف ، وهكذا ينبغي قطعا ، ومعاذ الله أن يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يخالف كتاب الله تعالى أو يعارضه ، وقد أنكر - رحمه الله - هذا من قول الإمام أحمد عمر - رضي الله عنه - وجعل يتبسم ويقول : أين في كتاب الله إيجاب ، وأنكرته قبله الفقيهة الفاضلة السكنى والنفقة للمطلقة ثلاثا فاطمة وقالت : بيني وبينكم كتاب الله ، قال الله تعالى : ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) [ الطلاق : 1 ] وأي أمر يحدث بعد [ ص: 479 ] الثلاث ، وقد تقدم أن قوله ( فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن ) [ الطلاق : 2 ] يشهد بأن الآيات كلها في الرجعيات .