فصل
وقد روى عنه أبو داود : . أنه أمر بقتل سارق فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، ثم جيء به ثانيا فأمر بقتله ، فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، ثم جيء به في الثالثة ، فأمر بقتله ، فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، ثم جيء به رابعة ، فقال : " اقتلوه " ، فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، فأتي به في الخامسة ، فأمر بقتله فقتلوه
فاختلف الناس في هذه الحكومة : وغيره لا يصححون هذا الحديث . قال فالنسائي : هذا حديث منكر ، النسائي ليس بالقوي ، وغيره يحسنه ويقول : هذا حكم خاص بذلك الرجل وحده ، لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المصلحة في قتله ، وطائفة ثالثة تقبله وتقول به ، وأن ومصعب بن ثابت قتل في الخامسة ، وممن ذهب إلى هذا المذهب السارق إذا سرق خمس مرات أبو مصعب من المالكية .
وفي هذه الحكومة الإتيان على أطراف السارق الأربعة . وقد روى عبد الرزاق في " مصنفه " : . أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعبد سرق ، فأتي به أربع مرات ، [ ص: 53 ] فتركه ، ثم أتي به الخامسة ، فقطع يده ، ثم السادسة فقطع رجله ، ثم السابعة فقطع يده ، ثم الثامنة فقطع رجله
واختلف الصحابة ومن بعدهم ، هل يؤتى على أطرافه كلها أم لا ؟ على قولين . فقال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه : يؤتى عليها كلها ، وقال أبو حنيفة وأحمد في رواية ثانية : لا يقطع منه أكثر من يد ورجل ، وعلى هذا القول ، فهل المحذور تعطيل منفعة الجنس ، أو ذهاب عضوين من شق ؟ فيه وجهان يظهر أثرهما فيما لو كان أقطع اليد اليمنى فقط ، أو أقطع الرجل اليسرى فقط ، فإن قلنا : يؤتى على أطرافه ، لم يؤثر ذلك ، وإن قلنا : لا يؤتى عليها ، قطعت رجله اليسرى في الصورة الأولى ، ويده اليمنى في الثانية على العلتين ، وإن كان أقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى لم يقطع على العلتين ، وإن كان أقطع اليد اليسرى فقط ، لم تقطع يمناه على العلتين ، وفيه نظر ، فتأمل .
وهل قطع رجله اليسرى يبتنى على العلتين ؟ فإن عللنا بذهاب منفعة الجنس ، قطعت رجله ، وإن عللنا بذهاب عضوين من شق ، لم تقطع .
وإن كان أقطع اليدين فقط ، وعللنا بذهاب منفعة الجنس قطعت رجله اليسرى ، وإن عللنا بذهاب عضوين من شق ، لم تقطع ، هذا طرد هذه القاعدة .
وقال صاحب " المحرر " فيه : تقطع يمنى يديه على الروايتين ، وفرق بينها وبين مسألة مقطوع اليدين ، والذي يقال في الفرق : إنه إذا كان أقطع الرجلين ، فهو كالمقعد ، وإذا قطعت إحدى يديه ، انتفع بالأخرى في الأكل والشرب والوضوء والاستجمار وغيره ، وإذا كان أقطع اليدين لم ينتفع إلا برجليه ، فإذا ذهبت إحداهما ، لم يمكنه الانتفاع بالرجل الواحدة بلا يد ، ومن الفرق أن اليد الواحدة [ ص: 54 ] تنفع مع عدم منفعة المشي ، والرجل الواحدة لا تنفع مع عدم منفعة البطش .