( 1323 ) فصل : ويجب فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين ، ونهى عن ذلك الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة ، عثمان وقال وابن عمر : إذا رأيته يتكلم ، والإمام يخطب ، فاقرع رأسه بالعصا . وكره ذلك عامة أهل العلم ، منهم : ابن مسعود ، مالك ، وأبو حنيفة والأوزاعي .
وعن رواية أخرى ; لا يحرم الكلام وكان أحمد ، سعيد بن جبير ، والنخعي والشعبي ، وإبراهيم بن مهاجر ، يتكلمون وأبو بردة يخطب . والحجاج
وقال بعضهم : إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا قولان ، كالروايتين وللشافعي
واحتج من أجاز ذلك بما روى ، قال : { أنس } متفق عليه . بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، إذ قام رجل ، فقال : يا رسول الله ، هلك الكراع وهلك الشاء ، فادع الله أن يسقينا . . وذكر الحديث ، إلى أن قال : ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فاستقبله قائما ، فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يرفعها عنا .
وروي { } ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم كلامهم ، ولو حرم عليهم لأنكره عليهم . أن رجلا قام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأومأ الناس إليه بالسكوت ، فلم يقبل ، وأعاد الكلام ، فلما كان في الثالثة ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك ، ماذا أعددت لها ؟ قال : حب الله ورسوله ، قال : إنك مع من أحببت
ولنا ، ما روى ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبو هريرة } متفق عليه . إذا قلت لصاحبك أنصت - يوم الجمعة - والإمام يخطب ، فقد لغوت
وروي عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة " تبارك " فذكرنا بأيام الله أو ، وأبو الدرداء يغمزني فقال : متى أنزلت هذه السورة ، فإني لم أسمعها إلا الآن ؟ فأشار إليه أن [ ص: 85 ] اسكت ، فلما انصرفوا ، قال : سألتك متى أنزلت هذه فلم تخبرني . قال أبو ذر أبي : ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له وأخبره بما قال أبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبي " رواه ، في " المسند " عبد الله بن أحمد وابن ماجه ،
وروى ، بإسناده ، عن أبو بكر بن أبي شيبة نحوه . وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } رواه من تكلم يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ابن أبي خيثمة .
وما احتجوا به ، فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام ، أو كلمه الإمام ; لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته ، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل صلى ؟ فأجابه . وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب ، فأجابه ، فتعين حمل أخبارهم على هذا ، جمعا بين الأخبار ، وتوفيقا بينها ، ولا يصح قياس غيره عليه ; لأن كلام الإمام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره ، وإن قدر التعارض فالأخذ بحديثنا أولى ; لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ونصه ، وذلك سكوته ، والنص أقوى من السكوت
( 1324 ) فصل : ولا فرق بين القريب والبعيد ; لعموم ما ذكرناه ، وقد روي عن رضي الله عنه أنه قال : من كان قريبا يسمع وينصت ومن كان بعيدا ينصت ; فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع ، عثمان
وقد روى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عبد الله بن عمرو من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } } رواه يحضر الجمعة ثلاثة نفر ، رجل حضرها يلغو ، وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو ، فهو رجل دعا الله ، فإن شاء أعطاه ، وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكون ، ولم يتخط رقبة مسلم ، ولم يؤذ أحدا ، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها ، وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك أن الله تعالى يقول : { أبو داود .
( 1325 ) فصل : وللبعيد أن يذكر الله تعالى ، ويقرأ القرآن ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفع صوته ، قال : لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه . ورخص له في القراءة والذكر أحمد ، عطاء ، وسعيد بن جبير والنخعي وليس له أن يرفع صوته ، ولا يذاكر في الفقه ، ولا يصلي ، ولا يجلس في حلقة . والشافعي
وذكر أن له المذاكرة في الفقه ، وصلاة النافلة . ولنا ، عموم ما رويناه ، وأن { ابن عقيل } رواه النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة . أبو داود . ولأنه إذا رفع صوته منع من هو أقرب منه من السماع ، فيكون مؤذيا له ، فيكون عليه إثم من آذى المسلمين ، وصد عن ذكر الله تعالى . وإذا ذكر الله فيما بينه وبين نفسه ، من غير أن يسمع أحدا ، فلا بأس .
وهل ذلك أفضل أو الإنصات ؟ يحتمل وجهين : أحدهما ، الإنصات أفضل ; لحديث ، وقول عبد الله بن عمرو . والثاني ، الذكر أفضل ; لأنه يحصل له ثوابه من غير ضرر ، فكان أفضل ، كما قبل الخطبة . عثمان