الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1975 ) فصل : وإن تبرع بمؤنة إنسان في شهر رمضان ، فأكثر أصحابنا يختارون وجوب الفطرة عليه . وقد نص عليه . أحمد ، في رواية أبي داود ، في من ضم إلى نفسه يتيمة يؤدي عنها ; وذلك لقوله عليه السلام { : أدوا صدقة الفطر عمن تمونون } . وهذا ممن يمونون ، ولأنه شخص ينفق عليه ، فلزمته فطرته كعبده واختار أبو الخطاب لا تلزمه فطرته ; لأنه لا تلزمه مؤنته ، فلم تلزمه فطرته ، كما لو لم يمنه . وهذا قول أكثر أهل العلم ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            وكلام أحمد في هذا محمول على الاستحباب ، لا على الإيجاب ، والحديث محمول على من تلزمه [ ص: 362 ] مؤنته ، لا على حقيقة المؤنة ، بدليل أنه تلزمه فطرة الآبق ولم يمنه ، ولو ملك عبدا عند غروب الشمس ، أو تزوج ، أو ولد له ولد ، لزمته فطرتهم ; لوجوب مؤنتهم عليه ، وإن لم يمنهم ، ولو باع عبده أو طلق امرأته ، أو ماتا ، أو مات ولده ، لم تلزمه فطرتهم ، وإن مانهم ; ولأن قوله : ( ممن تمونون ) فعل مضارع ، فيقتضي الحال أو الاستقبال دون الماضي ، ومن مانه في رمضان إنما وجدت مؤنته في الماضي ، فلا يدخل في الخبر ، ولو دخل فيه لاقتضى وجوب الفطرة على من مانه ليلة واحدة ، وليس في الخبر ما يقيده بالشهر ولا بغيره ، فالتقييد بمؤنة الشهر تحكم . فعلى هذا القول تكون فطرة هذا المختلف فيه على نفسه ، كما لو لم يمنه . وعلى قول أصحابنا المعتبر الإنفاق في جميع الشهر .

                                                                                                                                            وقال ابن عقيل : قياس مذهبنا أنه إذا مانه آخر ليلة ، وجبت فطرته ، قياسا على من ملك عبدا عند غروب الشمس . وإذا مانه جماعة في الشهر كله ، أو مانه إنسان بعض الشهر ، فعلى قياس قول ابن عقيل هذا تكون فطرته على من مانه آخر ليلة ، وعلى قول غيره يحتمل أن لا تجب فطرته على أحد ممن مانه ; لأن سبب الوجوب المؤنة في جميع الشهر ولم يوجد . ويحتمل أن تجب على الجميع فطرة واحدة بالحصص ; لأنهم اشتركوا في سبب الوجوب ، فأشبه ما لو اشتركوا في ملك عبد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية