اختلف فيها العلماء ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19595_19607الشكر على الغنى أفضل أم الصبر على الفقر واختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على أربعة أقاويل فمنهم من توقف في جوابها لتعارض الآثار وقال إن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رحمه الله توقف في أطفال المشركين لتعارض الآثار فيهم وقال إذا فيقتدى به ويتوقف في هذا الفصل لتعارض الآثار
[ ص: 255 ] أيضا ، ومنهم من قال هما سواء واستدلوا بقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81714الطاعم الشاكر كالجائع الصابر } ، ولأن الله تعالى أثنى في كتابه على عبدين وأثنى على كل واحد منهما بنعم العبد أحدهما أنعم عليه فشكر ، وهو
داود قال الله {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=30ووهبنا لداود } الآية والآخر ابتلي فصبر ، وهو
أيوب عليه السلام قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنا وجدناه صابرا } الآية فعرفنا أنهما سواء ، ومنهم من قال : الشكر على الغنى أفضل لقوله عليه السلام {
الحمد لله على كل نعمة } وقال عليه السلام {
لو أن جميع الدنيا صارت لقمة فتناولها عبد وقال الحمد لله رب العالمين كان بما أتى به خيرا مما أوتي } يعني لما في هذه الكلمة من الثناء على الله تعالى .
وتبين بالحديث الأول أن الشكر يكون بالثناء على الله تعالى فكان أفضل من الصبر والدليل عليه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13اعملوا آل داود شكرا } ، وهذا يعم جميع الطاعات ، ولا شك أن ما يعم جميع الطاعات ، فهو أعلى الدرجات ، وذلك لا يوجد في الصبر على الفقر والمذهب عندنا أن الصبر على الفقر أفضل قال عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14463الصبر نصف الإيمان } وقال عليه السلام {
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد } ، ولأن في الفقر معنى الابتلاء
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19585والصبر على الابتلاء يكون أفضل من الشكر على النعمة ، يعتبر هذا بسائر أنواع الابتلاء ، فإن الصبر على ألم المرض يكون أعظم في الثواب من الشكر على صحة البدن ، وكذلك الصبر على العمى أفضل من الشكر على البصر {
قال عليه السلام فيما يؤثر عن ربه عز وجل من أخذت كريمته وصبر على ذلك فلا جزاء له عندي إلا الجنة أو قال الجنة والرؤية } ، وهذا الفقه ، وهو أن للمؤمن ثوابا في نفس المصيبة قال عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81718يؤجر المؤمن في كل شيء حتى الشوكة تشاكه في رجله }
والدليل عليه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81719أن ماعزا رضي الله عنه حين أصابه حر الحجارة هرب وكان ذلك منه نوع اضطراب ثم مع ذلك قال فيه رسول الله : لقد تاب توبة لو قسمت توبته على جميع أهل الأرض لوسعتهم } فعرفنا أن نفس المصيبة للمؤمن ثواب ، وفي الصبر عليها ثواب أيضا فأما نفس الغنى فلا ثواب فيه ، وإنما الثواب في الشكر على الغنى وما ينال به الثواب من الوجهين يكون أعلى مما ينال فيه الثواب من وجه واحد ، وكما أن في الشكر على الغنى ثناء على الله تعالى ففي الصبر على المصيبة كذا لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة } الآية .
وحكي أن غنيا وفقيرا تناظرا في هذه المسألة فقال الغني الشاكر : أنا أفضل ، فإن الله تعالى استقرض من الأغنياء فقال عز وجل {
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=11من ذا الذي يقرض الله } الآية وقال الفقير إن الله تعالى إنما استقرض من الأغنياء للفقراء ، وقد يستقرض من الخبيث وغير الخبيث ، ولا يستقرض إلا الأجل يوضحه أن الغني يحتاج إلى الفقير ، ولا يحتاج الفقير إلى الغني ; لأن الغني يلزمه
[ ص: 256 ] أداء حق المال ، فلو اجتمع الفقراء عن آخرهم على أن لا يأخذوا شيئا من ذلك لم يجبروا على الأخذ ويحمدون شرعا على الامتناع من الأخذ فلا يتمكن الأغنياء من إسقاط الواجب عن أنفسهم والله تعالى يوصل الفقراء كفايتهم على حسب ما ضمن لهم فبهذا تبين أن الأغنياء هم الذين يحتاجون إلى الفقراء والفقراء لا يحتاجون إليهم بخلاف ما ظنه من يعتبر الظاهر ولا يتأمل في المعنى ، ويتضح بما قررنا أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ، وفي كل خير
اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19595_19607الشُّكْرَ عَلَى الْغِنَى أَفْضَلُ أَمْ الصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي جَوَابِهَا لِتَعَارُضِ الْآثَارِ وَقَالَ إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَوَقَّفَ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ فِيهِمْ وَقَالَ إذًا فَيُقْتَدَى بِهِ وَيُتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ
[ ص: 255 ] أَيْضًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا سَوَاءٌ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81714الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ كَالْجَائِعِ الصَّابِرِ } ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى فِي كِتَابِهِ عَلَى عَبْدَيْنِ وَأَثْنَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِعْمَ الْعَبْدُ أَحَدُهُمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ فَشَكَرَ ، وَهُوَ
دَاوُد قَالَ اللَّهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=30وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ } الْآيَةَ وَالْآخَرُ اُبْتُلِيَ فَصَبَرَ ، وَهُوَ
أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا } الْآيَةَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الشُّكْرُ عَلَى الْغِنَى أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
لَوْ أَنَّ جَمِيعَ الدُّنْيَا صَارَتْ لُقْمَةً فَتَنَاوَلَهَا عَبْدٌ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ بِمَا أَتَى بِهِ خَيْرًا مِمَّا أُوتِيَ } يَعْنِي لِمَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَتَبَيَّنَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّبْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=13اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا } ، وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ الطَّاعَاتِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الطَّاعَاتِ ، فَهُوَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ أَفْضَلُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14463الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
الصَّبْرُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ } ، وَلِأَنَّ فِي الْفَقْرِ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19585وَالصَّبْرُ عَلَى الِابْتِلَاءِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ ، يُعْتَبَرُ هَذَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الِابْتِلَاءِ ، فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى أَلَمِ الْمَرَضِ يَكُونُ أَعْظَمَ فِي الثَّوَابِ مِنْ الشُّكْرِ عَلَى صِحَّةِ الْبَدَنِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبْرُ عَلَى الْعَمَى أَفْضَلُ مِنْ الشُّكْرِ عَلَى الْبَصَرِ {
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ أَخَذْت كَرِيمَتَهُ وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا جَزَاءَ لَهُ عِنْدِي إلَّا الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ الْجَنَّةُ وَالرُّؤْيَةُ } ، وَهَذَا الْفِقْهُ ، وَهُوَ أَنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَوَابًا فِي نَفْسِ الْمُصِيبَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81718يُؤْجَرُ الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُشَاكِهِ فِي رِجْلِهِ }
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81719أَنَّ مَاعِزًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَصَابَهُ حَرُّ الْحِجَارَةِ هَرَبَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ نَوْعَ اضْطِرَابٍ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ : لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَوَسِعَتْهُمْ } فَعَرَفْنَا أَنَّ نَفْسَ الْمُصِيبَةِ لِلْمُؤْمِنِ ثَوَابٌ ، وَفِي الصَّبْرِ عَلَيْهَا ثَوَابٌ أَيْضًا فَأَمَّا نَفْسُ الْغِنَى فَلَا ثَوَابَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الثَّوَابُ فِي الشُّكْرِ عَلَى الْغِنَى وَمَا يُنَالُ بِهِ الثَّوَابُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ أَعْلَى مِمَّا يُنَالُ فِيهِ الثَّوَابُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، وَكَمَا أَنَّ فِي الشُّكْرِ عَلَى الْغِنَى ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَفِي الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ كَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } الْآيَةَ .
وَحُكِيَ أَنَّ غَنِيًّا وَفَقِيرًا تَنَاظَرَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ : أَنَا أَفْضَلُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَقْرَضَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=11مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ } الْآيَةَ وَقَالَ الْفَقِيرُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا اسْتَقْرَضَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ ، وَقَدْ يَسْتَقْرِضُ مِنْ الْخَبِيثِ وَغَيْرِ الْخَبِيثِ ، وَلَا يُسْتَقْرَضُ إلَّا الْأَجَلُّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْغَنِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الْفَقِيرِ ، وَلَا يَحْتَاجُ الْفَقِيرُ إلَى الْغَنِيِّ ; لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَلْزَمُهُ
[ ص: 256 ] أَدَاءُ حَقِّ الْمَالِ ، فَلَوْ اجْتَمَعَ الْفُقَرَاءُ عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْأَخْذِ وَيُحْمَدُونَ شَرْعًا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَخْذِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْأَغْنِيَاءُ مِنْ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ الْفُقَرَاءَ كِفَايَتَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا ضَمِنَ لَهُمْ فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ هُمْ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْفُقَرَاءُ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ مَنْ يَعْتَبِرُ الظَّاهِرَ وَلَا يَتَأَمَّلُ فِي الْمَعْنَى ، وَيَتَّضِحُ بِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ