الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أقامت امرأة البينة أن أباها زوجها إياه في حال حياته وأمهرها عنه ألف درهم وأنه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام خاصة وأقامت الأم البينة أنه كان يبول من حيث تبول النساء فالبينة بينة المرأة لما فيها من إثبات الزيادة وهو أصل النكاح والمهر والميراث ، وكذلك لو صدقتها الأم فيما ادعت وأقام الابن البينة أنه كان جارية فالبينة بينة المرأة لما بينا ، ولو أقامت هذه المرأة البينة على ما وصفنا وأقام الزوج البينة على ما وصفنا في المسألة الأولى فالبينة بينة المرأة وهو إثبات الصداق فتترجح بذلك ; لأن البينتين تعارضتا في إثبات النكاح والميراث وفي بينة المرأة زيادة وهو إثبات الصداق فتترجح لذلك ، وإن وقعت البينتان في وقتين فالوقت الأول أولى ; لأن صاحب الوقت الأول يثبت عقده وحده في الخنثى في وقت لا ينازعه غيره فيه وبعد ما ثبت ذلك في الوقت الأول الذي استند إليه تصير البينة الثانية محالا ، وإن كان الخنثى حيا أبطلت ذلك كله ولم أقض بشيء منه ; لأن في حال حياته المقصود هو الحل وقد تعارضت البينتان فيه وانتفتا لاستحالة أن يكون الشخص الواحد زوجا وزوجة بخلاف ما بعد موته فالعقد قد ارتفع هناك على أي وجه كان وإنما المقصود المهر والميراث فصرنا إلى الترجيح بإثبات الزيادة ، وهو نظير أختين ادعيا نكاح رجل بعد موته وأقامت كل واحدة منهما البينة قضي لهما بالميراث منه ولو كان الرجل حيا لكان يبطل البينتين إذا لم يوقتا .

وكذلك لو ادعى رجلان نكاح امرأة فهو على هذا في [ ص: 112 ] الفرق بين ما بعد الموت وقبله . قال : وليس يكون الخنثى مشكلا بعد الإدراك على حال من الحالات ; لأنه إما أن تحبل أو تحيض أو تخرج له لحية أو يكون له ثديان كثديي المرأة وبهذا يتبين حاله ، وإن لم يكن له شيء من ذلك فهو رجل ; لأن عدم نبات الثديين يكون دليلا شرعيا على أنه رجل ، وإذا قال أبوه أو وصيه هو غلام أو قال هي جارية فالقول قوله إذا كان لا يعلم ، فإن كان لا يعلم أنه مشكل لم يقبل قوله ; لأنه قائم مقام الصغير فيكون إخباره بذلك كإخبار الخنثى بنفسه ، وإذا مات الخنثى بعد موت أبيه وهو مراهق فأقام الرجل البينة أن أباه زوجه على هذا الوصيف فأمر بدفعه إليها وأنه كان يبول من مبال النساء وأنه قد طلقها في حياته قبل أن يدخل بها فوجب له نصف هذا العبد ، وأقامت امرأة البينة أن أباها زوجها إياه في حياته على ألف درهم وأنه كان يبول من مبال الغلام فإن وقتت البينتان وقتين فصاحب الوقت الأول أولى ; لأنه أثبت دعواه في وقت لا ينازعه غيره فيه والإبطال للمعارضة وقد انعدم هذا ، وإن لم توقت البينتان ولا يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله ; لأن البينتين استويا في معنى الإثبات ففي كل واحد منهما إثبات النكاح والميراث وإثبات المهر أيضا ; لأن الرجل يثبت ببينته الملك لنفسه في نصف الوصيف والمرأة تثبت المهر ، والجمع بينهما ممتنع فللتعارض قلنا بأنه تبطل البينتان بخلاف ما تقدم فهناك إثبات المهر في بينة المرأة دون بينة الرجل ، وكذلك لو أقام الرجل البينة أن أباه زوجها إياه برضاها وأنه دخل بها فولدت هذا الغلام أبطلت ذلك كله ; لأنه في كل واحدة من البينتين إثبات النكاح والنسب والميراث فاستويا والجمع بينهما محال ، وإذا لم يعرف الحق منهما أبطلت ذلك كله ، ولو قامت إحدى البينتين وقضى القاضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها ; لأنا نتيقن بكذب أحد الفريقين فمن ضرورة القضاء بصدق الفريق الأول الحكم بكذب الفريق الثاني هذا هو الصحيح من الجواب .

وقع في بعض ذلك تشويش في الرواية فقال إذا لم يكن هناك ولد وقامت البينتان ولم يوقتا ولم يقض القاضي بواحدة منهما فإني أبطل ذلك كله وأرده ، وهذا الجواب إنما يكون في حال حياة الخنثى فأما بعد موته فقد بينا أن بينة المرأة أولى لما في بينتها من إثبات الزيادة وهو المهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية