الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كان الحائط بين رجلين نصفين ولأحدهما عليه خشب كان للآخر أن يضع عليه من الخشب مثل ما وضع صاحبه ; لأنهما لما استويا في أصل الملك ينبغي أن يستويا في الانتفاع بالمملوك ، فالانتفاع بالحائط من حيث وضع الخشب فللشريك أن يضع عليه من الخشب مثل ما وضع صاحبه وليس له أن يرفع شيئا من خشب صاحبه ; لأن فيه ضررا بصاحبه من حيث هدم البناء عليه ، وإنما له حق الانتفاع بالملك المشترى ولا يكون له حق الإضرار بشريكه وقيل هذا إذا كان الحائط بحيث يحتمل مثل ذلك الخشب أن لو وضعه عليه .

فإن كان يعلم أنه لا يحتمل ذلك ، وهما متصادقان في أن أصل الحائط بينهما نصفان فحينئذ يكون له أن يأمر صاحبه برفع بعض الخشب حتى يضع عليه من الخشب مثل ما يبقى لصاحبه ما يحتمله الحائط ، وهذا لأنه إن وضع الزيادة بغير إذن الشريك فهو غاصب ، وإن وضعها عليه بإذنه فالشريك معير نصيبه من الحائط منه وللمعير أن يسترد العارية [ ص: 192 ] وإن أراد أحدهما أن يزيد عليه خشبة واحدة على صاحبه أو بفتح كوة أو يتخذ عليه سترة أو يفتح فيه بابا لم يكن له ذلك إلا بإذن صاحبه ; لأنه تصرف في الملك المشترك وأحد الشريكين لا ينفرد بالتصرف في الملك المشترى ، وإنما ينفرد بالتصرف في نصيبه خاصة ، وهذه التصرفات لم تكن في نصيبه خاصة ، ولأن في هذا التصرف ضررا من حيث توهين البناء أو زيادة الحمل عليه وليس لأحد الشريكين ولاية إلحاق الضرر بشريكه ; فلهذا كان ممنوعا من هذه التصرفات إلا بإذن شريكه .

وإذا انهدم الحائط فقال أحدهما نبنيه كما كان ونضع عليه جذوعنا كما كانت وأبى الآخر لم يجبر الآخر على البناء معه ; لأنه يحتاج في البناء إلى الإنفاق بماله والإنسان لا يجبر على إتلاف ماله في مثل ذلك فإن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم ذم الإنفاق في البناء فقال { شر المال ما تنفقه في البنيان } وقال عليه السلام { إنما يتلف المال الحرام الربا والبناء } فلهذا لا يجبر أحد الشريكين على ذلك عند طلب الآخر ، وهذا لأنه إنما يجبر الآخر عند طلب أحدهما على قسمة المشترك ولا شركة بينهما فيما ينفق كل واحد منهما على البناء من ملك نفسه ، فإن قال الطالب : أنا أبنيه بنفقتي ، وأضع عليه جذوعي كما كانت فله ذلك ; لأنه ينفق ماله يتوصل إلى الانتفاع بملكه ، ولا ضرر على شريكه في ذلك فلا يمنع منه ، وإذا منعه شريكه من ذلك يكون متعنتا قاصدا إلى الإضرار به فلا يمكن من ذلك ، فإن فعله فأراد الآخر أن يضع عليه جذوعه ، كما كانت فله ذلك بعد ما يرد عليه نصف قيمة البناء ; لأن البناء ملك الثاني ، فيكون له أن يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه نصف قيمته ، فإذا رد ذلك يصير متملكا عليه نصف البناء بنصف قيمته ، وهو نظير العلو والسفل إذا انهدما فأبى صاحب السفل أن يبنيه كان لصاحب العلو أن يبني السفل ويبني فوقه بيته ثم يمنع صاحب السفل من الانتفاع بسفله حتى يرد عليه قيمة البناء .

وقد بينا هذا في الدعوى إشارة هنا إلى أنه استحسان ، وليس له في القياس أن يبني السفل ; لأنه يضع البناء في ملك غيره ولا ولاية له على الغير في وضع البناء في ملكه ولكنه استحسن ذلك لدفع الضرر عنه فإنه لا يتوصل إلى بناء علوه والانتفاع به ما لم يبن السفل ، وهذا القياس والاستحسان في الحائط المشترك أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية