الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، ولو أكره بوعيد قتل على أن يطرح ماله في البحر ، أو على أن يحرق ثيابه ، أو يكسر متاعه ، ففعل ذلك ، فالمكره ضامن لذلك كله ; لأن إتلاف المال مما يصلح أن يكون المكره فيه آلة للمكره ، فعند تحقق الإلجاء يصير الفعل منسوبا للمكره ، فكأنه باشر الإتلاف بيده والشافعي في هذا لا يخالفنا ; لأن المكره يباح له الإقدام على إتلاف المال سواء كان له أو لغيره ، وإذا صار الإقدام مباحا له كان هو آلة للمكره ، فالضمان على المكره خاصة ، وأصحابه خرجوا له قولين سوى هذا : أحدهما أن الضمان يجب على المكره لصاحب المال ; لأنه هو المتلف حقيقة ، ثم يرجع هو على المكره ; لأنه هو الذي ، أوقعه في هذه الورطة ، والثاني أن الضمان عليهما نصفان ; لأن حقيقة الإتلاف وجد من المكره ، والقصد إلى الإضرار وجد من المكره ، فكانا بمنزلة الشريكين في الإتلاف ، ولكن الأول أصح ; لما قلنا ، وإن أكرهه على ذلك بحبس ، أو قيد ، ففعله لم يكن في المكره ضمان ، ولا قود ; لأن المكره إنما يصير كالآلة عند تمام الإلجاء ، وهو ما إذا خاف التلف على نفسه ، وليس في التهديد بالحبس ، والقيد معنى خوف التلف على نفسه ، فيبقى الفعل مقصورا على المكره ، فيؤاخذ بحكمه ، وهذا ; لأنه ليس في الحبس ، والقيد إلا هم يلحقه ، ومن يتلف مال الغير اختيارا ، فإنما يقصد بذلك دفع الغم الذي يلحقه بحسده إياه على ما آتاه الله تعالى من المال ، فلا يجوز أن يكون ذلك مسقطا للضمان عنه . .

التالي السابق


الخدمات العلمية