الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أكرهه قاض بضرب ، أو حبس حتى يقر بسرقة ، أو زنا ، أو شرب خمر ، أو قتل ، فأقر بذلك ، فأقامه عليه ، فإن كان رجلا معروفا بما أقر له به إلا أنه لا بينة عليه ، فالقياس أن يقتص من المكره فيما أمكن القصاص فيه ، ويضمن من ماله ما لا يستطاع القصاص فيه ; لأن إقراره كان باطلا ، والإقرار الباطل وجوده كعدمه ، فبقي هو مباشرا للجناية بغير حق ، فيلزمه القصاص فيما يستطاع فيه القصاص ، ولكن يستحسن أن يلزمه ضمان جميع ذلك في ماله ، ويدرأ القصاص ; لأن الرجل إذا كان معروفا بما أقر به على نفسه ، فالذي يقع في قلب كل سامع أنه صادق في إقراره لما أقر به ، وذلك يورث شبهة ، والقصاص مما يندرئ بالشبهات ; ولأن على قول أهل المدينة رحمهم الله للإمام أن يجبر المعروف بذلك الفعل على الإقرار بالضرب ، والحبس ، فإن مرتكب الكبيرة قلما يقر على نفسه طائعا ، وإذا أقر به مكرها عندهم يصح إقراره ، وتقام عليه العقوبة ، فيصير اختلاف العلماء رحمهم الله شبهة ، والقاضي مجتهد في ما صنع ، فهذا اجتهاد في موضعه من وجه ، فيكون مسقطا للقود عنه ، ولكن يلزمه المال ; لأن المال مما يثبت مع الشبهات ، وبالإقرار الباطل لم تسقط حرمة نفسه ، وأطرافه ، فيصير ضامنا له مراعاة لحرمة نفسه ، وطرفه .

وإن كان المكره غير معروف بشيء مما رمي به أخذت فيه بالقياس [ ص: 72 ] وأوجبت القصاص على القاضي في ما يستطاع فيه القصاص ; لأنه إذا كان معروفا بالصلاح ، فالذي يسبق إليه ، أوهام الناس أنه بريء الساحة مما رمي به ، وإنما أقر على نفسه كاذبا بسبب الإكراه ، ونظير هذا ما قيل : فيمن دخل على إنسان بيته شاهرا سيفه مادا رمحه فقتله صاحب البيت ، ثم اختصم ، أولياؤه مع صاحب البيت ، فقال أولياؤه كان هاربا من اللصوص ملتجئا إليك ، وقال صاحب البيت : بل كان لصا قصد قتلي ، فإن كان المقتول رجلا معروفا بالصلاح ، فالقول قول الأولياء ، ويجب القصاص على صاحب البيت ، وإن كان متهما بالدعارة ، ففي القياس كذلك ، وفي الاستحسان القول قول صاحب البيت ، ولا قصاص ، ولكن عليه الدية في ماله .

، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة لا شيء عليه ; لأن الظاهر شاهد عليه أنه كان دخل عليه مكابرا ، وأنه قد أهدر دمه عليه بذلك ، ولكن في ظاهر الرواية يقول : مجرد الظاهر لا يسقط حرمة النفوس المحترمة ، ولا يجوز إهدار الدماء المحقونة ، ولكن يصير الظاهر شبهة في إسقاط القود عنه ، فيجب عليه الدية في ماله صيانة لدم المقتول عن الهدر ، فكذلك ما سبق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية