الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أكرهه بوعيد تلف على أن يأذن له في أن يقتل عبده عمدا ، فأذن له في ذلك ، فقتله كان للمولى أن يقتله به ; لأنه لا معتبر بإذنه بعد الإكراه التام ، ولو أكرهه على ذلك بالحبس كان كذلك في القياس ; لأن الإذن كان باطلا ، فإن التهديد بالحبس يسقط اعتبار ما يحتمل الإبطال من أقاويله ، والإذن إنما كان مؤثرا باعتبار أنه دليل الرضا ، ومع الإكراه بالحبس الإذن لا يكون دليل الرضا ، ولكنه استحسن في هذا ، فقال لا يلزمه القود ، ولكنه ضامن له قيمة عبده ; لأن الإكراه بالحبس يؤثر في إبطال بعض الأقاويل دون البعض .

( ألا ترى ) أنه لا يؤثر في إبطال قوله في الطلاق ، والعتاق ، والعفو عن القصاص ، ويؤثر في البيع ، والشراء ، فإن اعتبرناه بما يؤثر فيه يجب القصاص على المكره ، وإن اعتبرناه بما لا يؤثر فيه لا يجب القصاص على المكره ، والقصاص مما يندرئ بالشبهات ، فلهذا سقط القود .

فإن قيل : هذا في الإكراه بوعيد التلف موجود قلنا لا كذلك ، فالإكراه بوعيد التلف مؤثر في جميع الأقاويل فيما يحصل بها من الإتلاف حتى يكون موجبا للضمان على المكره بخلاف الإكراه بالحبس ، ثم الإذن في الابتداء كالعفو في الانتهاء ، والعفو مع الإكراه بالحبس صحيح على أن يكون مقصورا على العافي من كل وجه بخلاف الإكراه بالقتل ، فالعفو هناك صحيح [ ص: 121 ] على أن يكون ما يتلف به مما هو متقوم منسوبا إلى المكره ، فكذلك الإذن في الابتداء مع الإكراه بالحبس قلنا : يجعل معتبرا في إسقاط القود الذي يندرئ بالشبهات ، ولا يجعل معتبرا في إسقاط الضمان الذي يثبت مع الشبهات ، وكذلك إن كان المأمور بالقتل غير المكره ، فإن المعنى في الكل سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية