[ ص: 489 ] سورة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون
1 - الحمد لله تعليم اللفظ والمعنى مع تعريض الاستغناء، أي: الحمد له وإن لم تحمدوه الذي خلق السماوات والأرض جمع السموات; لأنها طباق بعضها فوق بعض، والأرض وإن كانت سبعة عند الجمهور، فليس بعضها فوق بعض، بل بعضها موال لبعض. جعل يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: وجعل الظلمات والنور وإلى مفعولين إن كان بمعنى صير، كقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف: 19]. وفيه رد قول الثنوية بقدم النور والظلمة، وأفرد النور لإرادة الجنس، ولأن ظلمة كل شيء تختلف باختلاف ذلك الشيء، نظيره: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الموضع المظلم، يخالف كل واحد منها صاحبه. والنور: ضرب واحد، لا يختلف كما تختلف الظلمات. وقدم الظلمات لقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق الله خلقه في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل". ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون يساوون به الأوثان، تقول: عدلت هذا بذا، أي: ساويته به. والباء في "بربهم" صلة للعدل، لا للكفر. أو ثم الذين كفروا بربهم [ ص: 490 ] يعدلون عنه، أي: يعرضون عنه، فتكون الباء صلة للكفر، وصلة "يعدلون" أي: عنه: محذوفة. وعطف ثم الذين كفروا على " الحمد لله " على معنى: أن الله حقيق بالحمد على ما خلق; لأنه ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون، فيكفرون نعمته. أو على " خلق السماوات " على معنى: أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه، ومعنى "ثم" استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته.