قوله عز وجل:
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا
روي عن -رضي الله عنهما- وغيره أن كفار ابن عباس قريش قالوا في بعض معارضاتهم: لو كان هذا القرآن من عند الله تعالى لنزل جملة كما نزلت التوراة والإنجيل، وقوله: كذلك يحتمل أن يكون من قول الكفار، [ويحتمل أن يكون مستأنفا من كلام الله تبارك وتعالى لا من كلامهم]، وهو أولى، ومعناه: كما نزل أردناه، فالإشارة إلى نزوله متفرقا، وجعل الله تعالى السبب في نزوله متفرقا في الزمان تثبيت فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ، وليحفظه. وقال ، مكي : من حيث كان أميا لا يكتب، وليطابق الأسباب المؤقتة، فنزل في نيف وعشرين سنة، وكان غيره من الرسل يكتب فنزل جملة واحدة، وقرأ والرماني رضي الله عنه: "ليثبت" بالياء، و "الترتيل": التفريق بين الشيء المتتابع، ومنه قولهم: بقر رتل ، ومنه ترتيل القراءة. وأراد الله تبارك وتعالى أن ينزل القرآن في النوازل والحوادث التي قدرها وقدر نزوله فيها. عبد الله بن مسعود
ثم أخبر تعالى نبيه أن هؤلاء الكفرة لا يجيئون بمثل -يضربونه على جهة المعارضة- مبهم -كتمثيلهم في هذه بالتوراة والإنجيل- إلا جاء القرآن بالحق في ذلك، أي بالذي هو حق، ثم هو أحسن تفسيرا، أو أفصح بيانا وتفصيلا. ثم أوعد الله تعالى الكفار بما ينزل بهم يوم القيامة من الحشر على وجوههم إلى النار. وذهب الجمهور إلى أن هذا المشي على الوجوه حقيقة، وروي في ذلك -من طريق رضي الله عنه- [ ص: 438 ] حديث أنس بن مالك وقالت فرقة: المشي على الوجوه استعارة للمذلة المفرطة والهوان والخزي، وقوله تعالى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: يا رسول الله، كيف يقدرون على المشي على وجوههم؟ قال: "إن الذي أقدرهم على المشي على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم شر مكانا القول فيه كالقول في قوله تعالى: خير مستقرا .