الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبراهيم عليه السلام لما علم من قبل الملائكة أن قرية لوط تعذب أشفق على المؤمنين فجادل الملائكة، وقال: أرأيتم إن كان فيهم مائة بيت من المؤمنين أتتركونهم؟ قالوا: ليس فيهم ذلك، فجعل ينحدر حتى انتهى إلى عشرة أبيات، فقال له الملائكة: ليس فيها عشرة، ولا خمسة، ولا ثلاثة، ولا اثنان، فحينئذ قال إبراهيم عليه السلام : إن فيها لوطا ، فراجعوه حينئذ بأنا نحن أعلم بمن [ ص: 642 ] فيها، أي: لا تخف أن يقع حيف على مؤمن.

وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : "لننجينه" بفتح النون الوسطى وشد الجيم، و "منجوك" بفتح النون وشد الجيم، وقرأ حمزة ، والكسائي : "لننجينه " بسكون النون وتخفيف الجيم، وقرأ ابن كثير ، وعاصم في رواية أبي بكر : " لننجينه " بالتشديد، و "منجوك" بالتخفيف، وقرأت فرقة: "لننجينه" بسكون النون الأخيرة من الكلمة، وهذا إنما يجيء على أنه خفف النون المشددة وهو يريدها.

وامرأة لوط هذه كانت كافرة، وتنبه على أضيافه، و "الغابر": الباقي، ومعناه: من الغابرين في العذاب، وقالت فرقة: من الغابرين أي: ممن غبر وبقي من الناس وعسى في كفره، والضمير في "بهم" في الموضعين عائد على الأضياف الرسل، وذلك بخوفه من قومه عليهم، فلما أخبروه بما هم فيه فرج عنه، وقرأ عامة القراء: "سيء" بكسر السين، وقرأ عيسى وطلحة بضمها، و "الرجز": العذاب، وقوله تعالى: بما كانوا يفسقون أي: عذابهم بسبب فسقهم، وكذلك كل أمة عذبها الله فإنما عذبها على الفسق والمعصية، ولكن بأن يقترن ذلك بالكفر الذي يوجب عذاب الآخرة. وقرأ أبو حيوة ، والأعمش : "يفسقون" بكسر السين.

وقوله تعالى: ولقد تركنا منها ، أي: من خبرها وما بقي من أثرها، فـ "من" لابتداء الغاية، ويصح أن تكون للتبعيض، على أن تريد ما ترك من بقايا تلك القرية ومنظرها، والآية موضع العبرة، وعلامة القدرة، ومزدجر النفوس عن الوقوع في سخط الله تعالى.

وقرأ جمهور القراء: "منزلون" بتخفيف الزاي، وقرأ ابن عامر : "منزلون" بشد الزاي، وهي قراءة الحسن وعاصم -بخلاف عنهما-، وقرأ الأعمش : الحسن وعاصم بخلاف عنها-، وقرأ الأعمش : "إنا مرسلون" بدل "منزلون"، وقرأ ابن محيصن : "رجزا" بضم الراء.

[ ص: 643 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية