الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون

الإحياء والإماتة في هذه الآية ثلاث مراتب، وسقط منها الموت الأول الذي نص عليه في غيرها، إلا أنه بالمعنى في هذه، و"المنسك" المصدر، فهو بمعنى العبادة والشريعة، وهو أيضا موضع النسك، وقرأت فرقة بفتح السين وفرقة بكسرها، وقد تقدم القول فيه في هذه السورة. وقوله تعالى: "هم ناسكوه" يعطي أن "المنسك". المصدر، ولو كان الموضع لقال: هم ناسكون فيه، وروت فرقة أن هذه الآية نزلت بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح، وقولهم للمؤمنين: تأكلون ما ذبحتم وهو من [ ص: 271 ] قتلكم، ولا تأكلون ما قتل الله من الميتة، فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة. وقوله تعالى: فلا ينازعنك في الأمر . هذه البينة من الفعل والنهي تحتمل معنى التخويف وتحتمل معنى احتقار الفاعل وأنه أقل من أن يفاعل، وهذا هو المعنى في هذه الآية، وقال أبو إسحاق : المعنى: فلا تنازعهم فينازعوك.

قال القاضي أبو محمد -رحمه الله:

وهذا التقدير الذي قدر إنما يحسن مع معنى التخويف، وإنما يحسن أن يقدر هنا المعنى: فلا تبدأهم بمنازعتك، فالنهي إنما يراد به معنى من غير اللفظ، كما يراد في قولهم: "لا أرينك ههنا"، أي: لا تكن ههنا. وقرأت فرقة: "فلا ينزعنك"، وقوله تعالى: "في الأمر" معناه -على التأويل أن "المنسك" الشرعية-: لا ينازعنك في الدين والكتاب ونحوه، وعلى أن "المنسك" موضع الذبح على ما روت الفرقة المذكورة من أن الآية نزلت في الذبائح، فيكون "الأمر": الذبح. و"الهدى" في هذه الآية: الإرشاد.

وقوله تعالى: وإن جادلوك الآية موادعة محضة، نسختها آية السيف، وباقي الآية وعيد.

التالي السابق


الخدمات العلمية