قوله عز وجل:
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين
أجمع جل المفسرين على أن قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت إنما نزلت في شأن أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ، أبو هريرة ، وغيرهما: وابن المسيب عبد الله بن أمية ، وأبو جهل لعنهما الله تعالى، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب يا أبا طالب ؟ فقال له: يا محمد ، لولا أني أخاف أن يعير بها ولدي من بعدي لأقررت بها عينك، ثم قال أبو طالب : أنا على ملة عبد المطلب والأشياخ، فتفجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عنه، فمات أبو طالب على كفره، فنزلت هذه الآية: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء إشارة إلى أبي طالب . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه وهو يجود بنفسه، فقال له: أي عم؟، قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله، وكان بحضرته
والضمير في قوله: وقالوا لقريش ، قال : والمتكلم بذلك منهم ابن مسعود الحارث بن نوفل ، وقصد الإخبار بأن العرب تنكر عليهم رفض الأوثان وفراق حكم الجاهلية بتخطفهم من أرضهم. وقوله: الهدى معناه: على زعمك، وحكى عنه أنه قال: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكن إن اتبعناك يتخطفنا الثعلبي العرب ، فقطعهم الله تعالى بالحجة، أي: أليس كون الحرم لكم مما يسرناه وكففنا عنكم الأيدي فيه؟ فكيف بكم لو أسلمتم واتبعتم شرعي وديني؟ وروي عن : "نتخطف" بضم الفاء، و "أمن الحرم" هو ألا يغزى ولا يؤذى فيه أحد. وقوله تعالى: أبي عمرو يجبى إليه [ ص: 601 ] ثمرات كل شيء أي: يجمع ويجلب، وقرأ وحده: "تجبى" بالتاء من فوق، وقرأ الباقون: "يجبى" أي: يجمع، بياء من تحت، ورويت التاء من فوق عن نافع ، أبي عمرو ، وأبي جعفر وشيبة بن نصاح . وقوله تعالى: كل شيء يريد مما به صلاح حالهم وقوام أمرهم، وليس العموم فيه على الإطلاق. وقرأ : "ثمرات" بضم الثاء والميم. أبان بن تغلب
ثم توعد تعالى قريشا بضرب المثل بالقرى المهلكة، أي: فلا تغتروا بالحرم والأمن والثمرات التي تجبى، فإن الله تعالى مهلك الكفرة على ما سلف في الأمم. و "بطرت" معناه: سفهت وأشرت وطغت، قاله وغيره، و "معيشتها" نصبت على التفسير، مثل قوله: ابن زيد سفه نفسه ، وقال : هو على إسقاط حرف الجر، أي: بطرت في معيشتها، ثم أحالهم على الاعتبار في خراب ديار الأمم المهلكة الأخفش كحجر ثمود وغيره، وباقي الآية بين.