وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا
الضمير في قوله تعالى: "وأقسموا" لكفار قريش، كانت قبل الإسلام تأخذ على اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا، وتقول لو جاءنا نحن رسول لكنا أهدى من هؤلاء وهؤلاء. و جهد أيمانهم منصوب على المصدر، أي: بغاية اجتهادهم، و إحدى الأمم يريدون اليهود والنصارى، و"النفور": البعد عن الشيء والفزع منه والاستبشاع له.
و"استكبارا" قيل فيه: بدل من النفور، وقيل: مفعول من أجله، أي: نفروا من أجل الاستكبار، وأضاف "المكر" إلى "السيئ" وهو صفة، كما قيل: "دار الآخرة، ومسجد الجامع، وجانب الغربي"، وقرأ الجمهور بكسر الهمزة من "السيئ" وأسكنها وحده، وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة، ولحن هذه القراءة حمزة ، ووجهها الزجاج بوجوه، منها أن يكون أسكن لتوالي الحركات، كما قال: قلت صاحب قوم أبو علي الفارسي
[ ص: 229 ] على أن روى هذا: "قلت صاح قوم". وكما قال المبرد امرؤ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
على أن قد رواه: "فاليوم فاشرب"، وكما قال المبرد جرير :
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى فلن تعرفكم العرب
وقرأ : "ومكرا سيئا"، قال ابن مسعود أبو الفتح: يعضده تنكير ما قبله من قوله: "استكبارا". و"يحيق" معناه: يحيط ويحل وينزل، ولا يستعمل إلا في المكروه، وقوله: إلا بأهله معناه أنه لا بد أن يحيق بهم إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة، فعاقبته الفاسدة لهم، وإن حاق في الدنيا بغيرهم أحيانا فعاقبة ذلك على أهله، وقال كعب الأحبار رضي الله عنهما: إن في التوراة: "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها"، [ ص: 230 ] فقال لابن عباس رضي الله عنهما: "أنا أوجدك هذا في كتاب الله، ابن عباس ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .
و"ينظرون" معناه: ينتظرون. و"السنة": الطريقة والعادة. وقوله تعالى: فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا أي: لتعذيبه الكفرة المكذبين، وفي هذا توعد بين.