الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون

"يتفرقون" معناه: في المنازل والأحكام والجزاء، قال قتادة : فرقة والله لا اجتماع بعدها. و"يحبرون" معناه: ينعمون، قاله مجاهد ، والحبرة والحبور: السرور والنعيم، [ ص: 14 ] وقال يحيى بن أبي كثير : "يحبرون" معناه: يسمعون الأغاني، وهذا نوع من الحبرة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "يحبرون": يكرمون، وفي المثل: "امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينظرون العبرة"، ومنه بيت أبي ذؤيب :


فراق كقيص السن فالصبر إنه ... لكل أناس عبرة وحبور



هذا على هذه الرواية، ويروى: "عثرة وجبور"، وهي أكثر.

وذكر تعالى الروضة لأنها من أحسن ما يعلم من بقاع الأرض، وهي حيث يكثر النبت الأخضر، وما كان منها في المرتفع من الأرض كان أحسن، ومنه قول الأعشى:


وما روضة من رياض الحزن معشبة ...     خضراء جاد عليها مسبل هطل



[ ص: 15 ] ومنه قول كثير:


فما روضة بالحزن طيبة الثرى ...     يمج الندا جثجاثها وعرارها



قال الأصمعي : ولا يقال روضة حتى يكون فيها ماء يشرب منه.

وقوله تعالى: فسبحان الله خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات، كأنه يقول: أدى هذا التفرق إلى أنواع من النعم والعذاب فجرى بها المؤمن في طريق الفوز برحمة الله. وقال ابن عباس ، وقتادة ، وبعض الفقهاء: في هذه الآية تنبيه على أربع صلوات: المغرب والصبح والعصر والظهر، قالوا والعشاء الآخرة في آية أخرى، في ( زلفا من الليل ) وفي ذكر أوقات العورة. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضا وفرقة من الفقهاء: في هذه الآية تنبيه على الصلوات الخمس; لأن قوله تعالى: حين تمسون يتضمن الصلاتين. وقوله تعالى: وله الحمد في السماوات والأرض اعتراض بين الكلامين من نوع تعظيم الله تعالى والحض على [ ص: 16 ] عبادته، وقرأ عكرمة : "حينا تمسون وحينا تصبحون"، والمعنى: حين تمسون فيه "وحينا تصبحون فيه".

التالي السابق


الخدمات العلمية