الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 317 ] قوله عز وجل:

فكفروا به فسوف يعلمون ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

قوله تعالى: فسوف يعلمون وعيد محض; لأنهم تمنوا أمرا فلما جاءهم الله به كفروا واستهواهم الحسد، ثم آنس نبيه صلى الله عليه وسلم وأولياءه بأن القضاء قد سبق، والكلمة قد حقت في الأزل، بأن رسل الله تعالى إلى أرضه هم المنصورون على من ناوأهم، المظفرون بإرادتهم، المستوجبون الفلاح في الدارين. وقرأ الضحاك : "كلماتنا" بألف على الجمع. و"جند الله" هم الغزاة لتكون كلمات الله هي العليا. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: جند الله في السماء الملائكة، وفي الأرض الغزاة.

وقوله تعالى: فتول عنهم حتى حين وعد للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بالموادعة، وهذا مما نسخته آية السيف، واختلف الناس في المراد بالحين هنا، فقال السدي : الحين موتهم، وقال ابن زيد : الحين المقصود يوم القيامة. وقوله تعالى: وأبصرهم فسوف يبصرون وعد للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم، أي: سوف يرون عقبى طريقتهم.

ثم قرر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم - على جهة التوبيخ لهم - على استعجالهم عذاب الله. وقرأ الجمهور: "نزل بساحتهم" أي العذاب. وقرأ ابن مسعود : "نزل" على الفعل المجهول، و"الساحة": الفناء، والعرب تستعمل هذه اللفظة فيما يرد على الإنسان من خير أو شر. و"سوء الصباح" أيضا مستعمل في ورود الغارات والرزايا ونحو ذلك، ومنه قول الصارخ: "يا صباحاه"، كأنه يقول: قد سألني الصباح فأعينوني، وقرأ ابن مسعود : "فبئس صباح".

ثم أعاد الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتولي تحقيقا لتأنيسه وتهمما به، وأعاد سبحانه توعدهم أيضا لذلك، ثم نزه نفسه تنزيها مطلقا عن جميع ما يمكن أن يصفه به أهل الضلالات.

و"العزة" في قوله تعالى: رب العزة هي العزة المخلوقة الكائنة، للأنبياء [ ص: 318 ] والمؤمنين، وكذلك قال الفقهاء: من أجل أنها مربوبة، وقال محمد بن سحنون: "من حلف بعزة الله فإن كان أراد صفته الذاتية فهي يمين، وإن كان أراد عزته التي خلقها بين عباده، وهي التي في قوله: رب العزة فليست بيمين.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين، فإنما أنا أحدهم". وباقي السورة بين.

وذكر أبو حاتم عن صالح بن مينا قال: قرأت على عاصم بن أبي النجود ، فلما ختمت هذه السورة سكت، فقال: إيه، اقرأ، قلت: قد ختمت، فقال: كذلك فعلت على أبي عبد الرحمن وقال لي كما قلت لك، وقال لي كذلك قال لي علي بن أبي طالب ، وقال: "وقل آذنتكم بإذانة المرسلين، لتسألن عن النبإ العظيم"، وفي مصحف عبد الله : "عن هذا النبإ العظيم".

كمل تفسير سورة (الصافات) والحمد لله رب العالمين

التالي السابق


الخدمات العلمية