الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى:

لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب

"الملأ الأعلى": أهل السماء الدنيا فما فوقها، ويسمى الكل منهم "أعلى" بالإضافة إلى ملإ الأرض الذي هو أسفل، والضمير في "يسمعون" للشياطين. وقرأ جمهور القراء والناس: [يسمعون] بسكون السين وتخفيف الميم، وقرأ حمزة ، وعاصم - في رواية حفص - وابن عباس - بخلاف عنه - وابن وثاب ، وعبد الله بن مسلم ، وطلحة ، والأعمش : "لا يسمعون" بشد السين والميم، بمعنى: لا يتسمعون، فينتفي على القراءة الأولى سماعهم وإن كانوا يستمعون، وهو المعنى الصحيح، ويعضده قوله تعالى: إنهم عن السمع لمعزولون ، وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع، وظاهر الأحاديث أنهم يستمعون حتى الآن لكنهم لا يسمعون، وإن سمع أحد منهم شيئا لم يفلت قبل أن يلقي ذلك السمع إلى الذي يجيؤه; لأن من وقت محمد عليه الصلاة والسلام ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا، وكان الرجم في الجاهلية أخف، وروي في هذا المعنى أحاديث صحاح مضمنها أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء فتقعد للسمع واحدا فوق آخر، يتقدم الأجسر نحو السماء، ثم الذي يليه، فيقضي الله تعالى الأمر في الأمور في الأرض فيتحدث به أهل السماء، فيسمعه منهم ذلك الشيطان الأدنى، فيلقيه إلى الذي تحته، فربما أحرقه شهاب وقد ألقى الكلام، وربما لم تحرقه جملة، فينزل تلك الكلمة إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة، فتصدق تلك الكلمة، فيصدق الجاهلون الجميع، فلما جاء الله تعالى بالإسلام حرست السماء بشدة فلم يفلت شيطان سمع بتة، ويروى أنها لا تسمع الآن شيئا. [ ص: 273 ] والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض، قال النقاش ، ومكي : وليست بالكواكب الجارية في السماء، لأن تلك لا ترى حركتها، وهذه الراجمة ترى حركتها لأنها قريبة منا، وفي هذا نظر. و"يقذفون" معناه: ويرجمون.

و"الدحور": الإصغار والإهانة; لأن الزجر الدفع بعنف، وقال مجاهد : مطرودين. وقرأ الجمهور بضم الدال، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : [دحورا] بفتح الدال، و"الواصب": الدائم، قاله مجاهد ، وقتادة ، وعكرمة . وقال السدي ، وأبو صالح : الواصب: الموجع، ومنه: الوصب، والمعنى: هذه الحال الغالبة على جميع الشياطين، إلا من شذ فخطف خبرا أو نبأ فأتبعه شهاب فأحرقه.

وقرأ جمهور الناس: "خطف" بفتح الخاء وكسر الطاء خفيفة، وقرأ الحسن، وقتادة : [خطف] بكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء، قال أبو حاتم : يقال: هي لغة بكر بن وائل، وتميم بن مرة، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما بكسر الخاء والطاء مخففة. و"الثاقب": النافذ بضوئه وشعاعه المنير، قاله قتادة ، والسدي ، وابن زيد ، و"حسب ثاقب" إذا كان سنيا منيرا.

التالي السابق


الخدمات العلمية