وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار
"الإنسان" في هذه الآية يراد به الكافر بدلالة ما وصفه به آخرا من اتخاذ الأنداد لله تبارك وتعالى، ولقوله تعالى: تمتع بكفرك .
وهذه آية بين تعالى بها على الكفار أنهم على كل حال يلجؤون في حال الضرورات إليه، وإن كان ذلك عن غير يقين منهم ولا إيمان، فلذلك ليس بمعتد به، و"منيبا" معناه: مقاربا مراجعا بصيرته.
وقوله تعالى: ثم إذا خوله نعمة يحتمل أن يريد: في كشف الضر المذكور، أو يريد أي نعمة كانت، واللفظ يعمهما، و"خوله" معناه: ملكه وحكمه فيها ابتداء منه لا مجازاة، ولا يقال في الجزاء: خول، ومنه الخول، ومنه قول زهير :
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
[ ص: 377 ] هذه رواية، ويروى: يستخبلوا.
وقوله تعالى: نسي ما كان يدعو إليه . قالت فرقة: ما مصدرية، والمعنى: نسي دعاءه إليه في حال الضرر ورجع إلى كفره، وقالت فرقة: "ما" بمعنى الذي، والمراد بها الله سبحانه وتعالى، وهذا نحو قوله تعالى: ولا أنتم عابدون ما أعبد ، وقد تقع (ما) مكان (من) فيما لا يحصى كثرة من كلامهم. ويحتمل أن تكون "ما" نافية، ويكون قوله: نسي كلاما تاما، ثم نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصا لله ومقصودا به من قبل النعمة، أي في حال الضرر. ويحتمل أن تكون "ما" نافية، ويكون قوله: من قبل يريد: من قبل الضرر، فكأنه يقول: ولم يكن هذا الكافر يدعو في سائر زمنه قبل الضرر، بل ألجأه ضرره إلى الدعاء.
و"الأنداد": الأضداد التي تضاد وتزاحم وتعارض بعضها بعضا، قال : المراد: من الرجال يطيعونهم في معصية الله تعالى، وقال غيره: المراد: الأوثان. وقرأ الجمهور: "ليضل" بضم الياء، وقرأها بفتح الياء قتادة ، أبو عمرو ، وعيسى ، وابن كثير وشبل.
ثم أمر تعالى نبيه أن يقول لهم - على جهة التهديد - قولا يخاطب به واحدا منهم: تمتع بكفرك ، أي: تلذذ به، واصنع ما شئت "قليلا"، هو عمر هذا المخاطب. ثم أخبره أنه من أصحاب النار، أي: من سكانها والمخلدين فيها.