قوله عز وجل:
يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما
المعنى: يوم ننسف الجبال يتبع الخلائق داعي الله تعالى إلى المحشر، وهذا نحو قوله تعالى: مهطعين إلى الداع . وقوله: لا عوج له يحتمل أن يريد الإخبار به، أي: لا شك فيه، ولا يخالف وجوده خبره، ويحتمل أن يريد: لا محيد لأحد عن اتباعه، والمشي نحو صوته. و "الخشوع": التطامن والتواضع، وهو في الأصوات استعارة بمعنى الخفاء والاستسرار، ومعنى: "للرحمن": لهيبته وهول مطلع قدرته. و "الهمس": الصوت الخفي الخافت، وقد يحتمل أن يريد "بالهمس المسموع" تخافتهم بينهم وكلامهم السر، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام، وأن أصوات النطق ساكنة.
و "من" في قوله: إلا من أذن له الرحمن يحتمل أن يكون الاستثناء متصلا، ويكون "من" في موضع نصب يراد بها المشفوع له، فكأن المعنى: إلا من أذن له الرحمن في أن يشفع له، ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا على تقدير: لكن من أذن له الرحمن يشفع، فـ "من" في موضع نصب بالاستثناء، ويصح أن يكون في موضع رفع، كما يجوز الوجهان في قولك: "ما في الدار أحد إلا حمارا، وإلا حمار"، والنصب أوجه، و "من" - على هذه التأويلات - للشافع، ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه.
وقوله تعالى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، قالت فرقة: يريد الملائكة، وقالت فرقة: يريد خلقه أجمع، وقد تقدم القول في ترتيب ما بين اليد وما خلفه في غير [ ص: 135 ] موضع، على أن جماعة من المفسرين قالوا في هذه الآية: ما خلفهم: الدنيا، وما بين أيديهم: أمر الآخرة والثواب والعقاب، وهذا بأن يعرضها حالة وقوف حتى يجعلها كالأجرام، وأما إن قدرناها في نسق الزمان فالأمر على العكس بحكم ما بيناه قبل.
وقوله تعالى: وعنت الوجوه معناه: ذلت، والعاني: الأسير، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النساء: ، وهذه حالة الناس يوم القيامة. قال هن عوان عندكم طلق بن حبيب : أراد تعالى سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
إن كان روي هذا أن الناس يوم القيامة سجودا، وجعل هذه الآية إخبارا فقوله مستقيم، وإن كان أراد سجود الدنيا فإنه أفسد المعنى، و "القيوم" بناء مبالغة من قيامه عز وجل على كل شيء بما يجب فيه. و "خاب" معناه: لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه، و "الظلم" يعم الشرك والمعاصي، وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم، فخيبة المشرك على الإطلاق، وخيبة العاصي مقيدة بوقت وحد في العقوبة.