قوله تعالى: يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا (234):
نسخ ذلك قوله تعالى: متاعا إلى الحول غير إخراج ، وفي ذلك الوقت كانت الوصية للأزواج واجبة، وهي النفقة إلى الحول، ثم أبدلت الوصية بالميراث، إما ربعا في حالة، أو ثمنا في حالة.
وقوله: متاعا إلى الحول نسختها العدة أربعة أشهر وعشر.
ولا خلاف أن هذه الآية خاصة في غير الحامل. [ ص: 194 ] واختلفوا في الحامل المتوفى عنها زوجها على ثلاث مذاهب:
فقال رضي الله عنه، وإحدى الروايتين عن علي عدتها آخر الأجلين . ابن عباس:
وقال وابنه، عمر وزيد بن ثابت، في آخرين: عدتها أن تضع حملها. وأبو هريرة
وقال عدتها أن تضع حملها، وتطهر من نفاسها، ولا تتزوج وهي ترى الدم. الحسن:
فأما رضي الله عنه: فإنه ذهب إلى أن قوله: علي أربعة أشهر وعشرا يوجب الشهور.
وقوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن يوجب انقضاء العدة بوضع الحمل.
فجمع بين الآيتين في إثبات حكمهما في المتوفى عنها زوجها، وجعل انقضاء عدتها آخر الأجلين، من وضع الحمل أو مضي الشهور.
وقال : من شاء باهلته، أن قوله تعالى: ابن مسعود وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزلت بعد قوله: أربعة أشهر وعشرا . [ ص: 195 ] فاتفق الجميع على أن قوله: وأولات الأحمال عام في المطلقة والمتوفى عنها زوجها، وإن كان مذكورا بعد ذكر الطلاق، لاعتبار الجميع الحمل في انقضاء العدة.
قالوا جميعا: إن مضي الشهور لا تنقضي به عدتها إذا كانت حاملا، حتى تضع حملها، فلا تعتبر الشهور معه، ولم يختلفوا في أن عدة الطلاق تنقضي بوضع الحمل، من غير ضم الأقراء إليها، وقد كان جائزا أن يكون الحمل والأقراء مجموعين عدة لها، بأن لا تنقضي عدتها بوضع الحمل، حتى تحيض ثلاث حيض، فكذلك يجب أن تكون عدة الحامل المتوفى عنها زوجها في الحمل، غير مضموم إليه الشهور.
وقال إن الآيات في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق المرأة والأمة، فعدة الحرة والأمة سواء. الأصم:
وهذا مذهب له وجه من حيث التوقيف، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة، وقد استوت الحرة والأمة في النكاح، إلا أن الذي نصف تلقاه من وجوب العدة باعتبار الحرمة، وحرمة الأمة دون حرمة الحرة، وهذا فيه ضعف لاستواء المسلمة والكافرة الحرة في العدة، ولأن العدة وجبت لحق الزوج، وحق الزوج بالإضافة إلى الحرة والأمة واحد، وهذا بين، فإن صح الخبر في قوله صلى الله عليه وسلم:
فهو متعلق، وإلا فالمتعلق ضعيف. "طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان"
واختلف السلف في المتوفى عنها زوجها إذا لم تعلم بموته وبلغها الخبر.
فقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء إن عدتها من يوم [ ص: 196 ] يموت، وكذلك الطلاق من يوم طلق، وهو قول فقهاء الأمصار. وجابر بن زيد:
وقال رضي الله عنه علي والحسن البصري:
يوم يأتيها الخبر في الموت، وفي الطلاق من يوم طلق.