الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ، وقد جرت عادة إمامنا رضي الله عنه بأنه إذا كان في الباب آية أو حديث أو أثر ذكره ثم رتب عليه مسائل الباب ، وتبعه الرافعي في المحرر ، وحذف ذلك المصنف من المنهاج اختصارا ، غير أنه افتتحه بالآية الآتية تبركا أو استدلالا وقدمها ; لأن الدليل إذا كان عاما فرتبته التقديم فلهذا قال ( قال الله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } ) أي مطهرا ، ويعبر عنه بالمطلق ، وعدل عن قوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وإن قيل بأصرحيتها ليفيد بذلك أن الطهور غير الطاهر ، إذ قوله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء } دل على كونه طاهرا ; لأن الآية سيقت في معرض الامتنان وهو سبحانه لا يمتن بنجس ، وحينئذ فيكون الطهور غير الطاهر وإلا لزم التأكيد ، والتأسيس خير منه ( يشترط لرفع الحدث والنجس ) بكسر الجيم وفتحها وبإسكانها مع كسر النون وفتحها : [ ص: 61 ] أي رفع حكمه وهو بمعنى من عبر في النجس بالإزالة والشرط في اللغة العلامة وفي الاصطلاح ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته . والحدث لغة الشيء الحادث وشرعا يطلق على ثلاثة أمور كما سيأتي في باب الأحداث أحدها وهو المراد هنا أنه أمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمنع صحة نحو الصلاة حيث لا مرخص إذ لا يرفعه إلا الماء ولا فرق في الحدث بين الأصغر وهو ما أبطل الوضوء والمتوسط وهو ما أوجب الغسل من نحو جماع والأكبر وهو ما أوجبه من نحو حيض .

                                                                                                                            والنجس لغة الشيء المبعد وشرعا مستقذر يمنع صحة نحو الصلاة حيث لا مرخص ( ماء مطلق ) أما في الحدث فلقوله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فأوجب التيمم على من فقد الماء فدل على أنه لا يحصل بغيره ، وأما في النجس فلقوله صلى الله عليه وسلم { لما بال الأعرابي في المسجد [ ص: 62 ] صبوا عليه ذنوبا من ماء } والذنوب بفتح الذال المعجمة : الدلو الممتلئة أو القريبة من الامتلاء ماء ، والمأمور لا يخرج عن عهدة الأمر إلا بالامتثال ، وقد نص على الماء فهو إما تعبد لا يعقل معناه ، أو لما حوى من الرقة واللطافة التي لا توجد في غيره ، بدليل أنه لا يرسب للصافي منه ثقل بإغلائه ، بخلاف الصافي من غيره ، ومن ثم قال بعض الحكماء : لا لون له وما يظهر فيه لون ظرفه أو مقابله ; لأنه جسم شفاف .

                                                                                                                            وقال الرازي : بل له لون ويرى ، ومع ذلك لا يحجب عن رؤية ما وراءه . واقتصر على الحدث والنجس ; لأنهما الأصل ، وإلا فيشترط لسائر الطهارات غير التيمم والاستحالة الماء المطلق ، وشمل النجاسة بأنواعها ولو مخففة أو مغلظة بشرطه الآتي ، ودخل في الماء جميع أنواعه بأي صفة كان من أحمر وأسود ، وكذا متصاعد من بخار مرتفع من غليان الماء ونابع من زلال ، وهو شيء ينعقد من الماء على صورة حيوان ، وشملت عبارته الماء النازل من السماء والنابع من الأرض ولو من زمزم ، والماء النابع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وهو أشرف المياه ، وخرج به ما لا يسمى ماء كتراب تيمم وحجر الاستنجاء وأدوية دباغ وشمس وريح ونار وخل ونبيذ وغيرها ، وخرج بمطلق المستعمل وسيأتي في كلامه . قال في الدقائق : وعدل عن قول أصله لا يجوز إلى قوله يشترط ; لأنه لا يلزم [ ص: 63 ] من عدم الجواز الاشتراط . واعترض بأنه قد ذكر في شرح المهذب أن لفظة يجوز تستعمل تارة بمعنى الحل وتارة بمعنى الصحة وتارة بمعناهما ، وهذا الموضع مما يصلح للأمرين . وأجيب بأن لفظة يشترط تقتضي توقف الرفع على الماء ، ولفظة لا يجوز مترددة بين تلك المعاني ولا قرينة ، فالتعبير بيشترط أولى . ورد بمنع التردد ; لأنه إن حمل المشترك على جميع معانيه عموما فظاهر ، وإلا فحمله على جميعها هنا بقرينة السياق والتبويب واعترض ثانيا بأن تعبير المحرر أولى لدلالته على نفي الجواز بغير الماء بمنطوقه ، وتعبير الكتاب إنما يدل على ذلك بواسطة أن الإتيان بالعبادة على غير وجهها حرام للتلاعب . وأجيب بأنه إذا تعارض هذان الغرضان فالتعبير بما يصرح بالمقصود وهو اشتراط الماء للتطهير أولى .

                                                                                                                            وعبارة بعضهم لا يرفع الحدث ولا يزال الخبث بالاستقلال إلا بالماء . واحترز بقيد الاستقلال عن التراب في غسلات الكلب فإنه إزالة نجاسة بغير الماء لكن لا مستقلا . وقد يقال لا نسلم أنه بغير الماء بل به مع انضمام غيره ( له وهو ) أي الماء المطلق ( ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد ) لازم فشمل المتغير كثيرا بما لا يضر كطين وطحلب أو بمجاور إذ أهل اللسان لا يمنعون من إيقاع اسم الماء المطلق عليه فعلم أنه مطلق لا أنه غير مطلق وإنما أعطي حكمه ، وخرج المستعمل ; لأنه ليس بمطلق والقليل المتنجس بالملاقاة ، والمؤثر هو القيد اللازم من إضافة كماء ورد ، أو صفة كماء دافق وماء مستعمل ، أو متنجس أو لام عهد كالماء في قوله صلى الله عليه وسلم { نعم إذا رأت الماء } أي المني فلا أثر للقيد المنفك كماء البئر أو البحر ، ويجزئ الرفع به ولو ثلجا أو بردا إن سال في مغسول ، وإلا أجزأ في ممسوح ، وبما ينعقد ملحا أو حجرا ولو لجوهره أو لسبوخة الأرض ، ويلزم محدثا ونحوه إذابة برد ونحوه وملح مائي إن تعين وضاق الوقت ولم تزد مؤنته على ثمن مثل الماء هناك

                                                                                                                            التالي السابق



                                                                                                                            الخدمات العلمية