الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولما كانت الظهر أول صلاة ظهرت ومن ثم سميت بذلك ولفعلها وقت الظهيرة : أي شدة الحر ، وقد بدأ الله بها في قوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس } وكانت أول صلاة علمها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بدأ كغيره بها وبوقتها فقال ( الظهر ) لخبر جبريل الآتي وإنما بدأ بها وإن كان أول صلاة حضرت بعد الإيجاب في ليلة الإسراء الصبح لاحتمال أن يكون حصل له التصريح بأن أول وجوب الخمس من الظهر أو أن الإتيان بالصلاة يتوقف على بيانها ولم يبين إلا وقت الظهر ( وأول وقته ) أي الظهر ( زوال الشمس ) أي عقب وقت زوالها يعني يدخل وقتها بالزوال كما عبر به في الوجيز وغيره وهو [ ص: 363 ] ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب في الظاهر لنا بزيادة الظل عند تناهي نقصه وهو الأكثر ، أو حدوثه إن لم يكن لا نفس الميل فإنه يوجد قبل ظهوره لنا وليس هو أول الوقت ، فلو أحرم قبل ظهوره ثم اتصل الظهور بالتحرم على قرب لم تنعقد ، وكذا يقال في الفجر وغيره لأن مواقيت الشرع مبنية على ما يدرك بالحس .

                                                                                                                            قال في الروضة كأصلها وذلك يتصور في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطول أيام السنة دل على دخول وقتها بما تقدم خبر { أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس [ ص: 364 ] وكان الفيء قدر الشراك والعصر حين كان ظله : أي الشيء مثله والمغرب حين أفطر الصائم : أي دخل وقت إفطاره والعشاء حين غاب الشفق والفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله والعصر حين كان ظله مثليه والمغرب حين أفطر الصائم والعشاء إلى ثلث الليل والفجر فأسفر ، وقال : الوقت ما بين هذين الوقتين } رواه أبو داود وغيره وقوله : صلى الظهر حين كان ظله مثله : أي فرغ منها حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول حينئذ قاله إمامنا رضي الله عنه نافيا به اشتراكهما في وقت ويدل له خبر { وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم تحضر العصر } ( وآخره ) أي وقت الظهر ( مصير ظل الشيء مثله سوى ظل استواء الشمس ) أي غير ظل الشيء حالة الاستواء إن كان ، واعتبر المثل بقامتك أو غيرها في أرض مستوية وعلم على رأس الظل فما زال الظل ينقص عن الخط فهو قبل الزوال ، وإن وقف لا يزيد ولا ينقص فهو وقت الزوال ، وإن أخذ الظل في الزيادة علم أنها زالت .

                                                                                                                            قال العلماء : وقامة الإنسان ستة أقدام ونصف بقدم نفسه .

                                                                                                                            قال الأكثرون وللظهر ثلاثة أوقات : وقت فضيلة أوله ، ووقت اختيار إلى آخره ، ووقت عذر ووقت العصر لمن يجمع .

                                                                                                                            وقال القاضي : لها أربعة أوقات : وقت فضيلة أوله إلى أن يصير ظل الشيء مثل ربعه ، ووقت اختيار إلى أن يصير مثل نصفه ، ووقت جواز إلى آخره ، ووقت عذر وقت العصر لم يجمع ، ولها أيضا وقت ضرورة ، وسيأتي ووقت حرمة وهو القدر الذي يسعها وإن وقعت أداء لكنهما يجريان في غير وقت الظهر .

                                                                                                                            قال الشيخ : وعلى هذا ففي قول الأكثرين والقاضي إلى آخره تسمح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أول صلاة ) يمكن أن يكون من حكمة الأولية احتياجه عليه الصلاة والسلام إلى تعليم جبريل كيفيتها والتعليم في أظهر الأوقات أظهر وأبلغ ا هـ سم على منهج ( قوله : أول صلاة حضرت إلخ ) فإن قلت : لم لم يتعرضوا لقضاء العشاء مع أنه صلى الله عليه وسلم رجع من الإسراء آخر الليل . قلت : يجوز أنهم لم ينبهوا عليه لجواز أنه لم يتمكن من فعلها قبل الفجر حين رجع من الإسراء ، أو أن وجوبها مشروط بالتمكن من إعلام أمته ولم يتفق ذلك لعدم زمن يتأتى فيه الإعلام بعد عوده أو لغير ذلك ( قوله : ولم يبين إلخ ) والأول أولى لما يرد على الثاني من أنه لو كان كذلك لوجب قضاؤها ، ولم ينقل ومثله مما تتوفر الدواعي على نقله .

                                                                                                                            وفي سم على حج جواب آخر وهو أن الوجوب كان معلقا على بيان الكيفية ( قول المصنف وأول وقته ) يجمع على أوقات جمع قلة ووقوت جمع كثرة ا هـ شرح العباب لابن حجر ( قوله : زوال الشمس ) ذكره حملا للظهر الذي هو مرجع الضمير على الوقت أو الحين .

                                                                                                                            قال في المصباح : الظهر مضموما : أي مضافا إلى الصلاة مؤنثة فيقال دخلت صلاة الظهر ، ومن غير إضافة يجوز التذكير والتأنيث ، فالتأنيث على معنى ساعة الزوال ، والتذكير على معنى الوقت والحين فيقال حان الظهر وحانت الظهر ويقاس على هذا باقي الصلوات ( قوله : بالزوال ) أي فالزوال علامة على دخول الوقت ويقال لها أيضا سبب وعلة كما في شرح جمع [ ص: 363 ] الجوامع للمحلي ( قوله : على ما يدرك بالحس ) أي لا على ما في نفس الأمر حتى لو أوقع التحرم بعد ميلها في نفس الأمر وقبل ظهوره لنا لم تنعقد وإن أخبره بذلك ولي بل أو معصوم لما علل به الشارح من قوله لأن مواقيت الشرع مبنية على ما يدرك بالحس ، وينبغي أن يقال مثل ذلك فيما لو علق طلاق زوجته بالزوال فلا وقوع وإن عرف ذلك بالميقات من نفسه بل وإن أخبره معصوم أيضا للعلة المذكورة ( قوله : وذلك ) أي حدوثه إن لم يكن .

                                                                                                                            وقوله : في أطول أيام السنة .

                                                                                                                            قال حج : واختلفوا في قدره فيها فقيل يوم واحد هو أطول أيام السنة ، وقيل جميع أيام الصيف ، وقيل ستة وخمسون يوما ، وقيل ستة وعشرون قبل انتهاء الطول ومثلها عقبه ، وقيل يومان يوم قبل الأطول بستة وعشرين يوما ويوم بعده بستة وعشرين وما عدا الأخير والأول غلط ، والذي بينه أئمة الفلك هو الأخير ، وقول بعض أصحابنا إن صنعاء كمكة في ذلك لا يوافق ما حرره أئمة الفلك لأن عرض مكة أحد وعشرون درجة وعرض صنعاء على ما في زيج ابن الشاطر خمس عشرة درجة تقريبا ، فلا ينعدم الظل فيها إلا قبل الأطول بنحو خمسين يوما وبعده بنحوها أيضا ، وقد بسطت الكلام على ذلك وما يتعلق به ويوضحه في شرح العباب ( قوله : { أمني جبريل } ) قال في شرح العباب : وبين ابن إسحاق في مغازيه أن هذه الصلوات التي صلاها جبريل به كانت صبيحة يوم فرضه لما أسري به وأنه صيح بالصلاة جامعة : أي لأن الأذان لم يشرع بالمدينة بعد وأن جبريل صلى به صلى الله عليه وسلم وهو بأصحابه : أي كان متقدما عليهم ومبلغا لهم كما يعلم من رواية النسائي السابقة ، وبذلك يعلم الرد على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة فحصره ذلك باطل ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : وإنما تقدم جبريل وصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم مع كونه صلى الله عليه وسلم أفضل منه لغرض التعليم ، لا يقال : كان يمكن أن يقتدي جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويعلمه التبعية قبل ذلك بالقول أو أنه صلى الله عليه وسلم يصلي به إماما ويعلمه جبريل مع كونه مقتديا بالإشارة أو نحوها .

                                                                                                                            لأنا نقول : لعل إمامة جبريل أظهر في التعليم منه فيما لو اقتدى به جبريل وعلمه بالإشارة أو نحوها .

                                                                                                                            وقوله فلما كان الغد : أي فلما جاء الغد صلى به الظهر . فيه أن أول اليوم التالي لليوم الأول هو الصبح ، وعليه فكان يقول : فلما كان الغد صلى بي الصبح إلى آخر العشاء ، ثم يقول : فلما كان الغد : أي بعد اليوم الثاني صلى بي الصبح لأنه حقيقة من اليوم الثالث .

                                                                                                                            قلت : يجوز أنه جعل اليوم ملفقا من يومين فيكون الصبح الأول من اليوم الأول والصبح الثاني من اليوم الثاني ( قوله : { فصلى بي الظهر } ) أي إماما كما هو شأن المعلم ، قيل ويرد عليه أن صحة شرط القدوة العلم بذكورة الإمام والملائكة لا يتصفون بالذكورة ولا بالأنوثة ، والجواب أن الشرط عدم اعتقاد الأنوثة وهو منتف في حق الملائكة لذم الله من سماهم إناثا ، ثم هو مشكل من وجه آخر وهو أن الشرط في صحة الصلاة أن يعرف كيفيتها فروضا وسننا قبل الإحرام بها ، وكونه علمه قبل الإحرام ثم صلى به يحتاج لدليل من نقل صحيح ، والقول بأنه فعله صلى الله عليه وسلم وفعله لا يكون على مذهب معين يرد [ ص: 364 ] بأنه لو صح ذلك لما خالفه الشافعي إلا أن يقال إن هذا اغتفر في بدء الإسلام لضرورة تعلم الكيفية وبعد تقرر الإسلام وجب العلم بكيفيتها قبل فعلها لأنه حينئذ ينسب الفاعل لها قبل العلم إلى تقصير ( قوله : الفيء ) أي الظل وعبارة المصباح : قال ابن قتيبة : يذهب الناس إلى أن الظل والفيء بمعنى واحد وليس كذلك ، بل الظل يكون غدوة وعشية والفيء لا يكون إلا بعد الزوال : أي فهو أخص من الظل فلا يقال لما قبل الزوال فيء وإنما سمي بعد الزوال فيئا لأنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب المشرق ، والفيء الرجوع .

                                                                                                                            ثم قال : وقال رؤبة بن العجاج : كل ما كانت الشمس عليه فزالت عنه فهو ظل وفيء ، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ، ومن هنا قيل الشمس تنسخ الظل والفيء ينسخ الشمس ا هـ وذكر غير ذلك ( قوله : قدر الشراك ) الشراك بالكسر اسم للسير الرقيق بظاهر النعل ( قوله : على الصائم ) فإن قيل الصوم إنما فرض بعد الصلاة فكيف قال حين أفطر الصائم .

                                                                                                                            فالجواب أنه يحتمل أنه قال لهم ذلك بعد تقرر فرض الصوم بالمدينة ، أو المراد حين أفطر الصائم الذي تعهدونه فإنه كان مفروضا على غير هذه الأمة أيضا ( قوله : أي فرغ منها ) هل يصح بقاؤه على ظاهره فإنه بعد مصير ظل الشيء مثله يبقى من الوقت مقدار قدر الاستواء فليتأمل ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وقد يقال لا يصح بقاؤه على ظاهره ، أما أولا فلأنه يتوقف على أن يكون ظل الاستواء بقدر ما يسع الصلاة ، وأما ثانيا فلأنه يقتضي دخول وقت العصر إذا صار ظل الشيء مثله مع بقاء ظل الاستواء فتكون صلاة العصر في وقت الظهر وهو مناف لقوله قاله إمامنا ( قوله : وعلى هذا ) أي أن لها أيضا وقت ضرورة إلخ سم على منهج ( قوله : ففي قول الأكثرين ) ينبغي على قول الأكثرين أن يكون لها أيضا وقت جواز إلى آخر الوقت فيتحد بالذات وقت الاختيار والجواز كما اتحد كذلك وقت الفضيلة والاختيار في المغرب سيأتي ا هـ سم على منهج ( قوله : تسمح ) هو مقول القول ، ووجه التسمح أنهم أدخلوا في وقت الجواز والاختيار وقت الضرورة والحرمة ا هـ سم على منهج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 362 - 363 ] قوله : وذلك يتصور إلخ ) راجع لقوله أو حدوثه إن لم يكن




                                                                                                                            الخدمات العلمية