ثم لما أنهى الكلام على أركانه ذكر بعض سننه بقوله ( التسمية ) أوله كالوضوء والغسل ولو لنحو جنب والذكر آخره السابق ثم وذكر [ ص: 302 ] الوجه واليدين والسواك والغرة والتحجيل وأن لا يرفع يده عن الوضوء حتى يتم مسحه وتخليل أصابعه كما يأتي ( ومسح وجهه ويديه بضربتين ) لورود ذلك في الأخبار ، ولأن المقصود إيصال التراب وقد حصل ( ( وتندب ) للمتيمم قلت : الأصح المنصوص وجوب ضربتين وإن أمكن بضربة بخرقة ونحوها ) كأن يأخذ خرقة كبيرة يضرب بها ثم يمسح ببعضها وجهه وبباقيها مثلا يديه دفعة واحدة ( والله أعلم ) لخبر { الحاكم } . التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين
وروى أبو داود { } ولأن الاستيعاب غالبا لا يتأتى بدونهما فأشبه الأحجار الثلاثة في الاستنجاء ، ولأن الزيادة جائزة بالاتفاق ، فلو جاز أيضا النقصان لم يبق للتقييد بالعدد فائدة ، ومفهوم كلامهم واستدلالهم بحديث أنه صلى الله عليه وسلم تيمم بضربتين : مسح بإحداهما وجهه ، وبالأخرى ذراعيه ونحوه يدل على أن عمار يحسب ضربة ، بخلاف ما إذا ضرب يدا ثم يدا ، وتكره الضرب باليدين دفعة واحدة . الزيادة على ضربتين
نعم إن لم يحصل الاستيعاب بهما لم تكره الزيادة بل تجب ، ولو جاز لوجود الضربتين كما هو ظاهر عبارة ضرب بنحو خرقة ضربة ومسح بها وجهه ويديه سوى جزء منهما أو من إحداهما كأصبع ثم ضرب ضربة أخرى ومسح بها ذلك الجزء المصنف وظاهر الحديث السابق يخالفه ، ولا يشكل على ما تقرر جواز التمعك [ ص: 303 ] لأن المراد بالضرب النقل ولو بالعضو المسموح كما مر لا حقيقة الضرب .
وآثروا التعبير بالضرب لموافقة لفظ الحديث وللغالب ، إذ يكفي وضع اليد على تراب ناعم بدونه ( ويقدم ) ندبا ( يمينه ) على يساره ( وأعلى وجهه ) على أسفله كالوضوء ، ويأتي به على ، وهي أن يضع بطون أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ، ولا مسبحة اليمنى عن أنامل اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمنى ، فإذا بلغ الكوع ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه رافعا إبهامه ، فإذا بلغ الكوع أمر إبهام اليسرى على إبهام اليمنى ثم يفعل باليسرى كذلك ، ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى وإنما لم يجب لأن فرضهما حصل بضربهما بعد مسح وجهه ، وجاز مسح ذراعيه بترابهما لعدم انفصاله مع الحاجة ، إذ لا يمكن مسح الذراع بكفها فصار كنقل الماء من بعض العضو إلى بعضه ، قاله في المجموع ، ومراده كما بحثه كيفيته المشهورة الشيخ بنقل الماء تقاذفه الذي يغلب كما عبر به الرافعي ( وتخفيف الغبار ) بنفخه ونفض اليد إذا كان كثيرا بحيث لا يبقى إلا قدر الحاجة { } ، وأما لأنه عليه الصلاة والسلام نفض يديه ونفخ فيهما فالأحب كما في الأم أن لا يفعله حتى يفرغ من الصلاة ( مسح التراب عن أعضاء التيمم كالوضوء ) لأن كلا منهما طهارة عن حدث ، ويأتي فيه القولان المتقدمان ويقدر الممسوح مغسولا كما مر . وموالاة التيمم
ويستحب وتجب في تيمم دائم الحدث كما تجب في وضوئه ، وتجب أيضا في وضوء السليم عند ضيق وقت الفريضة ( الموالاة بين التيمم والصلاة قلت : وكذا الغسل ) أي تستحب موالاته كالوضوء لما ذكر من كونه طهارة ( ويندب تفريق أصابعه أولا ) أي أول كل ضربة لأنه أبلغ في إثارة الغبار فلا يحتاج إلى زيادة عليهما ، وليستغنى في الثانية بالواصل عن المسح بما على الكف ولا يلزم على التفريق في الأولى عدم صحة التيمم ، لأنه لو اقتصر على التفريق فيها أجزأه لعدم وجوب ترتيب النقل كما مر ، فحصول التراب الثاني إن لم يزد الأول قوة لم ينقصه ، والغبار الحاصل من الأولى لا يمنع المسح بدليل أن من غشيه غبار السفر لا يكلف نفضه كما ذكره الرافعي وقول البغوي : يكلف نفض التراب محمول على تراب يمنع وصول التراب إلى المحل ، وأما قول القفال إنه إذا فرق في الأولى [ ص: 304 ] لا يصح تيممه فهو جار على ما مر عنه من اشتراط القصد لعضو معين وهو وجه ضعيف .
كالوضوء ، ويجب إن لم يفرقها في الضربتين ليوصل التراب إلى المحل الواجب مسحه أو فرق في الأولى دون الثانية : لأن ما وصل إليه قبل مسح وجهه لا يعتد به في حصول المسح فاحتاج إلى التخليل ليحصل ترتيب المسحين ( ويجب ويستحب أن يخلل أصابع يديه بعد مسحهما بالتشبيك في الثانية ، والله أعلم ) ليبلغ التراب محله ، بخلاف الوضوء لأن التراب كثيف لا يسري إلى ما تحت الخاتم ، بخلاف الماء ، وأفهم كلامه عدم وجوبه في الأولى وهو كذلك لكنه يستحب ليكون مسح الوجه باليد اتباعا للسنة ، وإيجاب نزعه إنما هو عند المسح لا عند الضرب كما نبه عليه نزع خاتمه السبكي ، وإيجابه ليس لعينه بل لإيصال التراب لما تحته لأنه لا يتأتى غالبا إلا بالنزع حتى لو حصل الغرض بتحريكه أو لم يحتج إلى واحد منهما لسعته كفى ، كما أنه لو كان ضيقا بحيث يعلم عدم وصول الماء إلى ما تحته في الطهر به إلا بتحريكه أو نزعه وجب .
لا يقال تحريك الخاتم غير كاف وإن اتسع إذ بانتقاله للخاتم ثم عوده للعضو يصير مستعملا ، وليس كانتقاله لليد الماسحة ثم عوده للحاجة إلى هذا دون ذاك لأنا نمنع انتفاء الحاجة هنا لصيرورته نائبا عن مباشرة اليد ، وأيضا فوصول التراب لمحل مع عدم الاعتداد به في حكم عدم وصوله فبرفعه ثم عوده يفرض كأنه أول ما وصله الآن فافهم ، والخاتم بفتح التاء وكسرها .
ويسن عدم لأن المطلوب فيه تخفيف الغبار تكرار المسح ، وأن يستقبل به القبلة عدم نجاسة على المتيمم ، فلو مسح وعلى بدنه نجاسة لم يصح تيممه لأن التيمم لإباحة الصلاة ولا إباحة مع المانع ، فأشبه التيمم قبل الوقت كما مر ولهذا لو وشرط صحته لم يصح تيممه ، كما صححه في التحقيق ثم وهو المنصوص المفتى به ، ولو تيمم قبل استنجائه لم يبطل إن تيمم قبل ستر عورته وهو متمكن من سترها صح لأن منافاة النجاسة للصلاة أشد من منافاة كشف العورة ، أو تنجس بدنه بعد تيممه فالأوجه الصحة لقلة المنافاة لها ، بخلاف النجاسة ، ولهذا لو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة صحت من غير إعادة . صلى أربع ركعات إلى أربع جهات