95 - ( فصل )
: لأن القول بها حكم يستند إلى درك أمور خفية وظاهرة ، توجب للنفس سكونا ، فوجب اعتباره كنقد الناقد ، وتقويم المقوم . والقياس وأصول الشريعة تشهد للقافة
وقد حكى : أن قائفا كان يعرف أثر الأنثى من أثر الذكر . وأما قولهم : " إنه يعتمد الشبه " فنعم ، وهو حق ، { أبو محمد ابن قتيبة : يا رسول الله : أو تحتلم المرأة ؟ قال : تربت يداك ، فبم يشبهها ولدها ؟ أم سلمة } متفق عليه . قالت
من حديث ولمسلم عن أنس بن مالك أم سليم قالت : { } . وهل يكون هذا - يعني الماء - [ ص: 185 ] فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فمن أين يكون الشبه ؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فمن أيهما علا - أو سبق - يكون الشبه منه
وعن : { عائشة : تربت يداك وألت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعيها ، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ؟ عائشة } رواه أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تغتسل المرأة إذا هي احتلمت ، وأبصرت الماء ؟ فقال : نعم ، فقالت لها مسلم
. وله أيضا من حديث عن أبي أسماء الرحبي ، قال : { ثوبان اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد - الحديث بطوله - إلى أن قال : جئت أسألك عن الولد ؟ فقال : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله } . وسمعت كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار شيخنا رحمه الله يقول : في صحة هذا اللفظ نظر . قلت : لأن المعروف المحفوظ في ذلك ، إنما هو تأثير سبق الماء في الشبه وهو الذي ذكره ( 182 ) من حديث البخاري : " أن أنس بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام المدينة ، فأتاه ، فسأله عن أشياء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد
فهذا السؤال الذي سأل عنه ، والجواب الذي أجابه به النبي صلى الله عليه وسلم هو نظير السؤال الذي سأل عنه الحبر ، والجواب واحد ، ولا سيما إن كانت القصة واحدة ، والحبر هو عبد الله بن سلام ، فإنه سأله وهو على دين عبد الله بن سلام اليهود ، فأنسي اسمه ، قال : " جاء حبر من وثوبان اليهود " وإن كانتا قصتين والسؤال واحد فلا بد أن يكون الجواب كذلك " .
وهذا يدل على أنهم إنما سألوا عن الشبه ، ولهذا وقع الجواب به وقامت به الحجة ، وزالت به الشبهة . وأما الإذكار والإيناث : فليس بسبب طبيعي ، وإنما سببه : الفاعل المختار الذي يأمر الملك به ، [ ص: 186 ] مع تقدير الشقاوة والسعادة ، والرزق ، والأجل ، ولذلك جمع بين هذه الأربع في الحديث { } . فيقول الملك : يا رب ، ذكر ؟ يا رب ، أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك
وقد رد سبحانه ذلك إلى محض مشيئته في قوله تعالى : { يهب لمن يشاء إناثا ، ويهب لمن يشاء الذكور ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما } .
والتعليق بالمشيئة - وإن كان لا ينافي ثبوت السبب بذلك - إذا علم كون الشيء سببا ، دل على سببيته بالعقل وبالنص ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أم سليم : { } فجعل للشبه سببين : علو الماء ، وسبقه . ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فمن أيهما علا - أو سبق - يكون الشبه
وبالجملة : فعامة الأحاديث إنما هي تأثير سبق الماء وعلوه في الشبه ، وإنما جاء تأثير ذلك في الإذكار والإيناث في حديث وحده ، وهو فرد بإسناده ، فيحتمل أنه اشتبه على الراوي فيه الشبه بالإذكار والإيناث ، وإن كان قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو الحق الذي لا شك فيه ، ولا ينافي سائر الأحاديث ، فإن الشبه من السبق . والإذكار والإيناث : من العلو ، وبينهما فرق ، وتعليقه على المشيئة لا ينافي تعليقه على السبب ، كما أن الشقاوة والسعادة والرزق معلقات بالمشيئة ، وحاصلة بالسبب ، والله أعلم . ثوبان
والمقصود : أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الشبه في لحوق النسب وهذا معتمد القائف ، لا معتمد له سواه .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المتلاعنين { لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن } رواه إن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، خدلج الساقين ، فهو فاعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الشبه وجعله لمشبهه . [ ص: 187 ] البخاري
فإن قيل : فهذا حجة عليكم ، لأنه - مع صريح الشبه - لم يلحقه بمشبهه في الحكم .
قيل : إنما منع إعمال الشبه لقيام مانع اللعان : ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : { } فاللعان سبب أقوى من الشبه ، قاطع النسب ، وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب فإنما ذاك إذا لم يقاومه سبب أقوى منه ، ولهذا لا يعتبر مع الفراش ، بل يحكم بالولد للفراش ، وإن كان الشبه لغير صاحبه ، كما حكم النبي صلى الله عليه وسلم في قصة لولا الأيمان لكان لي ولها شأن عبد بن زمعة بالولد المتنازع فيه لصاحب الفراش ، ولم يعتبر الشبه المخالف له ، فأعمل النبي صلى الله عليه وسلم الشبه في حجب سودة ، حيث انتفى المانع من إعماله في هذا الحكم بالشبه إليها ، ولم يعمله في النسب لوجود الفراش .
وأصول الشرع وقواعده ، والقياس الصحيح : تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب ، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها .
ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب : من شهادة المرأة الواحدة على الولادة ، والدعوى المجردة مع الإمكان ، وظاهر الفراش ، فلا يستبعد أن يكون الخالي عن سبب مقاوم له كافيا في ثبوته ، ولا نسبة بين قوة اللحاق بالشبه وبين ضعف اللحاق لمجرد العقد ، مع القطع بعدم الاجتماع ، في مسألة المشرقية والمغربي .